على الصاروخين الباليستيين اللذين اطلقتهما ايران اخيرا، كتبت العبارة التالية و بالعبرية، «ينبغي محو اسرائيل من صفحات التاريخ».
للتوضيح، قال المسؤولون هناك ان الصاروخين صمما ليطاولا الدولة العبرية. بطبيعة الحال ليس من اجل عيني خالد مشعل او من اجل عيني محمود عباس...
هل يحق لنا ان نسأل الايرانيين الاعزاء، مادام بنيامين نتنياهو لم يتوقف عن قرع الطبول، هل اذا شنت تل ابيب الحرب على لبنان، ستوجه تلك الصواريخ الى الاهداف الاسرائيلية ام انها ستبقى في الصومعة لان ساعة الحرب الكبرى لم تدق بعد ولن تدق ابدا؟.
الايرانيون يريدون ازالة اسرائيل من التاريخ. ماذا عن الجغرافيا؟ هنا المشكلة...
قبل ان نفكر بمحو اسرائيل، لا على طريقة محمود احمدي نجاد الذي كان يسند ظهره الى الغيب، وما ادراك ما الغيب في هذه المهمة الاستراتيجية، أليست الاولوية يا اعزاءنا الايرانيين( بعض العرب يقولون...يا اعداءنا الايرانيين) لبقاء دولنا في التاريخ، وفي الجغرافيا؟
كلنا نتمنى لو لم يزرع يوشع بن نون عصاه هناك، وكلنا تتحطم قلوبنا من اجل اهالي الضفة والقطاع. ولكن هل هذا ما يعني الايرانيين حين تكون الحروب الاهلية في ذروتها عند جيرانها العرب، وحتى تتهم بأنها هي من تصنع هذه الحروب، او تشارك فيها على الاقل، وسواء قيل ذلك عن حق او عن باطل؟
نحن الذين نندثر. اين هي سوريا؟ واين هو العراق؟ واين هي اليمن؟ غريب ان يقفز الايرانيون فوق كل ذلك الخراب ويرفعوا شعار ازالة اسرائيل من التاريخ. نحن امة اللحظة القاتلة، وحين يمشي التاريخ قد لا نجد مكانا حتى في سروال التاريخ..
غالبا ما ينصح نجوم الاستشراق في الغرب، او الباحثون في قضايانا، العرب بأن يتمثلوا بايران. بالطبع ليس لاقامة نظام تيوقراطي، كما يصفون النظام هناك، ونحن الذين ابتلينا بالتشكيلات التوتاليتارية للسلطة، وانما بطريقة تشغيل الجهاز العصبي، لا ان نأخذ او نؤخذ بالعصبية، وقد ابقتنا هكذا نراوح مكاننا بين السيدة داحس والسيدة الغبراء...
الايرانيون يتصرفون كما لو ان ثمة امبراطورية داخل الجمهورية. اثناء مفاوضات فيينا، وكم كانت شاقة ومعقدة، لاحظنا كيف كان محمد جواد ظريف يختار كلماته، ومواقفه، بمنتهى الدقة، حتى ان ريتشارد هاس، الديبلوماسي العريق، قال «ذاك الرجل الذي ينظر مائة عام الى الامام». قال تلك الدولة ايضا..
هكذا حفروا وبتقنية خارقة اكثر من 500 متر تحت سطح الارض لحماية صواريخهم الباليستية. وهكذا تصنع المعجزات عادة، بل وتصنع الامم استراتيجياتها، لكننا نفاجأ بالازدواجية حين يظهر فجأة من يقوم بذلك العمل الخارق، على السطح، او تحت السطح، ليتحدث باللغة الصاخبة، والتي لا معنى لها، والتي توحي لنا بأن العالم (والمنطقة) في واد وايران في واد اخر...
ماذا يعني ان نمحو اسرائيل من التاريخ (ولم يقولوا من الجغرافيا) اذا كنا نتراشق بالصواريخ من غرفة الى غرفة، واذا كانت دولنا تتمزق اربا اربا، واذا كانت مجتمعاتنا التي تفككت تهيم على وجهها عند شواطىء العالم؟
الان، يقلدنا الايرانيون في البروباغندا. ذات يوم اعلنت مصر انها صنعت صاروخ «القاهر» وصاروخ «الظافر». ظننا ان صواريخنا ستدخل الى مكتب موشي دايان من ثقب الباب قبل ان نكتشف انها كانت صواريخ من ورق لامة من ورق. الان، لا صواريخ من ورق ولا امة من ورق...
لمن يريد الايرانيون ان يتوجهوا حين تحمل صواريخهم تلك العبارة التي لم يعد لها اي صدى لدى احد مادمنا جميعا جثثا مع وقف التنفيذ؟من زمان لم تعد تعنينا هذه القضية. الايرانيون ليسوا سذجا، وهم يدركون واقع الحال. ثمة دول، مجتمعات، تتحطم، ودون ان نأخذ بالاستراتيجية العربية القائلة بتحرير فلسطين بالقفازات الحريرية او بعصا الفيلد مارشال عمر البشير...
نحن الان في ذروة الصراع بين الديانتين( اجل الديانتين) السنية والشيعية. رجال الدين يقولون انه صراع حول الاخرة، ورجال السياسة يقولون انه صراع حول الدنيا. هل لاحظتم في كل حروب العرب مع اسرائيل هذا المستوى من الضراوة في الحروب بين العرب والعرب؟
الصواريخ الباليستية صنعت لتبقى في الصومعة. هذه هي النظرية الاميركية القديمة( الردع المتبادل). اصحاب النوايا الخبيثة يقولون ان طهران كشفت عن صواريخها، وعلى ذلك العمق،وفي هذا الوقت بالذات، لتقول لاصحاب مناورة « رعد الشمال» بالعربية لا بالعبرية، انظروا ماذا بين يدينا ان وقعت الواقعة...
احيانا يكون اصحاب النوايا الخبيثة اصحاب النوايا الذكية. في هذه الحال، الاقوى من يقول تعالوا الى الطاولة لا تعالوا الى الخندق!
اعيدوا صواريخكم الى غمدها، ولتكن كلمة سواء ما دمنا قد اخذنا علما بأن دوي رعد الجنوب وصل الى...رعد الشمال.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News