مختارات

الجمعة 15 نيسان 2016 - 07:23 البناء

جسر التواصل السعودي - الإيراني

placeholder

لم يكن وارداً في بداية أزمات الشرق الأوسط المعروفة بـ«الربيع العربي» التي غيّرت في الكثير من الثوابت والوقائع، الحديث عن تعاون ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية فالاشتباك كان يتضخم ويشتد عند كل استحقاق يرى فيه الطرفان مصلحة بالتفوّق والحضور. فأخذ الملف السوري يُعلي سقف التجاذب يضاف إليه الملف العراقي وبعده البحراني، وصولاً إلى الملف اليمني الذي اختتم بحرب شاملة على انصار الله حلفاء إيران، يضاف إلى المشهد أكثر الملفات خطورة وحساسية بالنسبة إلى دول الخليج والسعودية تحديداً، وهو تسوية الملف النووي مع الغرب، والذي كان يستخدم كضمان يعرقل التقارب الغربي الإيراني أراح السعودية حوالي العقد من الزمن فتفرّدت بفرض سياساتها في المنطقة مستندة إلى تفرّد نابع من «عقدة» حلّ ملف شائك وحساس من هذا النوع بالنسبة للغرب المؤمن بأنّ سلامة «إسرائيل» أولاً وأنّ كلّ ما من شأنه زعزعة الاستقرار فيها غير وارد.


لم يكن مطروحاً عند الجانب السعودي إمكانية أن يقبل الغرب باقتراح يخرج الإيرانيين من الأزمة بشكل يعفيها من كلّ ما ترتب عليها جراء تمسكها بحق امتلاك القدرات النووية للأغراض السلمية واقتناعه برؤية إيران وشرحها لامتلاك القدرة على الإنتاج الذري، بالتالي بقيت السعودية مرتاحة لعقدة كانت متأكدة انه يصعب حلها فتمادت في تقديم خيارات تدخلها الأزمة السورية من بابها العريض بضمان نجاحها السريع على اعتبار أن إيران غير مستعدة لفتح المزيد من النوافذ التي تزيد الضغوط عليها وغير مستعدة لإعادة أي فرصة لتحريك المفاوضات حينها إلى الوراء إذا تدخلت إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد.

كان من المستحيل طرح فكرة أي تعاون بين طهران والرياض الذي تعرض للكثير من العوائق حتى بلغ اليوم مرحلة كشفت عن أدوار الطرفين بأزمات المنطقة بشكل أكبر يمكن على أساسه طرح الحلول برؤاها المقبلة.

الدخول الروسي على خط المواجهات العسكرية في سورية يعتبر الحدث المفصلي من عمر الأزمة الذي استدرج القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة نحو تعاون محتوم بينها وبين روسيا وهو الذي كان غير ممكناً قبل سنوات الأزمات هو الآخر وبالتالي فإن أي نجاح لإمكانية توصل الإيرانيين والسعوديين لأرضية تعاون كان غير ممكناً لولا توصل الأميركيين والروس إليه.

بنجاح التعاون الأميركي الروسي افتتحت حلول الأزمات على مصراعيها وكان أول بوادرها الاتفاق النووي الإيراني الذي كان لروسيا فيه دور ديبلوماسي بالغ الأهمية بغض النظر هنا عن ظروف ارتفاع مستوى النفوذ العسكري الروسي بالمنطقة وتحقيق إنجاز عبّد الطريق للحل.

الاتفاق النووي الإيراني يعتبر إقليمياً نافذة العبور نحو حل باقي الملفات حتى ولو فصل بينها وبينه وقت مطلوب لإجراء الممكن من أجل جمع الأطراف إلا أنه وبدقته يؤكد إلى حتمية نجاح الحل السياسي السلمي في سورية بنهاية المطاف بدليل الوقوع. العملية الدبلوماسية التي تلت الاهتمام الأميركي الروسي بعد الأزمة النووية كانت سورية التي تحركت فيها المساعي بشكل حثيث وجهود متتالية لجمع المعارضات السورية المتشرذمة وفرض قبول عناوين أساسية تدرجت من قبول طرفَي النزاع بالاعتراف بضرورة الحوار أو اقتسام السلطة وصولاً اليوم إلى الإعلان الأميركي بأن مصير الرئاسة السورية بيد السوريين بعد جملة مطالبات كبرى ببدء المفاوضات بعيداً عن الأسد.

الحل اليمني بدوره بات محكوماً بسير عملية سياسية اعترفت بضرورة حوار الأطراف وبينها فريق أنصار الله حليف إيران الأساسي بالأزمة الذي شنت السعودية الحرب على بهدف التخلص النهائي من حضوره ورفض مشاركة حلفائها وإياه السلطة في اليمن، لكن هذا الاعتراف بقبول الحضور الحوثي كقوة واقعية لا بد من الحوار معها من اجل الحل يعتبر بحدّ ذاته أول تعاون سعودي إيراني غير مباشر سينسحب تدريجياً على سواه من الملفات.

حل الملف النووي الإيراني أكد نيات غربية للخضوع للعمليات السلمية بعد تغيّر موازين القوى، بشكل كبير فرض صيغة التشارك فرضاً على المعترضين الذين تفرّدوا سنوات، وفق منطق ميزان قوى سمح لهم بذلك.

أوروبياً، لم يكن وارداً عند الفرنسيين التخلي عن الموقف الحاد جداً من الملف النووي الإيراني حتى آخر لحظات توقيعه، كان ذلك من دون استشراف الفرنسيين أنه يتوجّه نحو الحل السياسي. وهنا برزت انعطافة فرنسية كبرى لفتت الأنظار بمجيئها مباشرة بعد اعتبار إيران قوة داعمة للإرهاب وملفها خطر على المنطقة، فبرز هنا نموذج الانعطافة المصلحية السريعة عند الدول الغربية التي لا تتأخر عن إعادة تموضعها إذا سبقها الأميركي نحو ذلك.

لقاء القمة الفرنسي الإيراني جاء بزيارة تاريخية للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى باريس أعلن فيها الطرفان عن مرحلة مزدهرة من العلاقات التجارية بمليارات الدولارات التي يتعطش لها السوق الفرنسي.

القمة الناجحة بين هولاند وروحاني انعكست إيجابياً حتماً على حلفاء الطرفين بشكل تلقائي، والمقصود هنا على الصعيد اللبناني ما كان مرفوضاً بالنسبة لحزب الله عند الفرنسيين أصبح مقبولاً بعد التعاون بين باريس وطهران وبالتالي فإن أي لقاء ممكن بين الرئيس الفرنسي القادم إلى لبنان وشخصيات من حزب الله، إذا تم حسب التوجهات، يفترض أن يتمتع بقدرة إنتاجية جدية على الصعيد الرئاسي في لبنان، إذا أرادت فرنسا استخدام علاقاتها الجيدة مع الرياض كجسر عبور نحو التقارب بين الإيرانيين مستخدمة الملف اللبناني كركيزة لذلك، ومتسلحة باقتناع السعودية لضرورة الحوار بين حلفائها وحلفاء إيران «الحوثيين في اليمن».

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة