غرق مركب يحمل 400 مهاجر/ مغامر في رحلة هرب من مصر إلى ايطاليا.
الخبر أعلن تقريبا لحظة لقاء هولاند ـ السيسي الذي كان عنوانه عسكرياً ـ اقتصادياً تزركشه الأرقام الضخمة (بين 2.2 و1.8 مليار يورو في 18 اتفاقية ومذكرة تفاهم) بدت ضخامتها أكثر تأثيرا من فعاليتها (حتى على مستوى السلاح أو المساهمة في حلحلة الازمة الاقتصادية التي تخيم بثقلها على القاهرة).
الضخامة بدت نوعاً من «المساندة» بعد قيام «البرلمان الاوروبي» بشن هجوم عنيف على نظام السيسي، مطالبا بإجراءات اقتصادية ووقف التسليح.
المدهش ان فرنسا هي التي قادت «غضب» البرلمان الاوروبي، احتجاجا على المقتل الغامض للطالب الايطالي جوليو ريجيني بعد عمليات التعذيب الوحشي.
المسافة بين فرنسا (الغاضبة) وفرنسا (الراعية..) كان حاضرا في زيارة هولاند، الذي حمل معه قصة تعذيب وقتل اخرى تعود بتاريخها إلى ايلول/ سبتمبر 2013 راح ضحيتها «ايريك لانج» الذي يطالب الملف الذي تسلمه الرئيس السيسي بإعادة التحقيق في مقتله داخل قسم شرطة قصر النيل أثناء حظر التجول، عقب إزاحة محمد مرسي والإخوان عن قصر الحكم.
وبجوار الصفقات كان سؤال «حقوق الإنسان» حاضرا ليمنح الحضور الفرنسي خصوصية، في مواجهة انتقادات داخل باريس والقاهرة حول عودة فرنسا إلى دور «الراعي النشيط» لأنظمة الحكم المصرية.
في الكواليس كانت الردود: «فرنسا ليست الاولى أوروبيا، تسبقها بريطانيا على سبيل المثال»..
وفي الكواليس ايضا: «.. فرنسا تكتفي بالدور الكبير في موقف البرلمان الأوروبي، وليتقدم الآخرون»...
ومن «الآخرين» تقدمت بريطانيا وتتوقع الأوساط الحقوقية والديبلوماسية تصعيدا قريبا تتطالب فيه لندن بـ «لجنة تحقيق دولية» في قضية ريجيني.
هي أزمة تتجاوز رتابة «لا أحبك ولا أستغني عنك» تلك التي تجعل الغرب كله، رمزا للشرور ومستودعا للمؤامرات. هكذا تقول أجهزة البروباغندا وغسيل الأدمغة في الشاشات والمدارس ودور العبادة، وغيرها من مقارّ تربية المواطن الصالح للأنظمة...، وفي الوقت نفسه الغرب هو الملجأ... (يريدون من هولاند حل أزمة الرئاسة في لبنان، والضغط من أجل فك قبضة النظام في مصر.. وهكذا..).
.. العلاقة الآن أكثر تعقيدا مما ينتظر منها العقل الراكد..
ـ 2 ـ
... يغرق المئات في البحر هربا إلى الغرب..
وهذا يحدث في مصر التي ليست «سوريا أو العراق»، وهما الفزاعتان اللتان قادتا مصر «إلى السيسي»... واللتان قدمهما السيسي «مبررا» لقبول «مارشال» في الحكم، على اعتبار اننا نعيش في بلاد «الطوارئ الأبدية» و «التوقيت الذي لا يأتي» لنضج وعي الشعوب، كأننا في «انتظار دائم» أو في «طفولة سياسية لا تنتهي»... وهذا ما يفسر استخدام السيسي لتعبير «دولة وليدة» لوصف مصر أمام هولاند ردا على انتقاد عنيف ضد انتهاكات حقوق الإنسان.
هل هذه هي وديعة الاستبداد «وقف نمو» المجتمعات والدول، لتصبح طوال الوقت في احتياج إلى «أبوة» أو «كفيل» أو «راع..».
وهذا ما يخلق الآن الوضع العجيب في الشرق الاوسط: يبدو الامر كأن هناك مخططاً لإعادة توزيع القوة في «الكتلة المتماسكة» من بقايا «سايكس بيكو».. هذا التوزيع الجديد يتم بعقل قديم، يرى العالم من خلال «استقرار» منظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية... وقواها المتصارعة حول النفوذ في الحرب الباردة والساخنة...
وهكذا غالبا هناك مخطط ما لإنقاذ الشرق الاوسط من قبل التحالفات القديمة، لكن هذا المخطط يدور في إطار «الرغبة»...
بينما الواقع يقود إلى تفكيك مستمر للقوى الفاعلة، وهو ما نرى من خلاله أن فرنسا التي تعاني أزمة اقتصادية، تحاول التأثير في نقطة قوية مثل مصر، مستفيدة من أزماتها السياسية أو الاقتصادية ...
أي ان ما بين القاهرة وباريس هو علاقة بين «أزمتين..» في إطار منظومة دولية لا يمكنها الحسم أو تحويل الرغبات الى «أحداث بنهايات مبتورة»..
هل يمكن تخيل ما تضيفه السعودية إلى «كامب ديفيد» مثلا؟
أو كيف يمكن تمرير التنازل عن تيران وصنافير الى جمهور يتعرض يوميا إلى خطابات السيادة والوطنية، بل ان السيسي نفسه الذي وافق على التنازل قادم من هذه المنطقة التي تحوّلت الى «ملاهي الدول في لحظات سقوطها..»..؟
أو كيف يمكن الالتقاء بين القاهرة والرياض في ملفات متناقضة من سوريا والأسد إلى ايران ومساعيها لفتح الجسور، بينما ما تريده السعودية من سند عسكري مصري، ليس بيد السيسي وحده..؟
.. هنا لسنا أمام أزمات منفصلة لكننا أمام مأزق النهايات لنظام «الوكالات الحاكمة» باسم الغرب...
ـ 3 ـ
هل هي «ثورة جديدة»...؟
بعيدا عن لعبة «التسمية»، فإن تظاهرات «جمعة الأرض» في القاهرة مدهشة في مواجهتها لتحالف «الوكالات الحاكمة» لإنقاذ «المنظومة» كلها...
هكذا وفق صدفة/ أو مفاجأة مدهشة تظاهر فيها الآلاف من أعمار ومواقع اجتماعية متباينة، لكن المركز الحيوي والكتلة الحرجة كانت من شباب بين 17 إلى 21 سنة، ضد «تحالف البيروقراطية العسكرية في مصر مع عائلة آل سعود»، وفي حضور غامض لأميركا وإسرائيل.
التظاهر ضد «الكومبينة» التي أوقفت أحلام التغيير ودعمت بناء «الوكالات» هو شرخ على أكثر من مستوى بالنسبة لنظام السيسي الذي بدأ يركز على «قوى الشر» أو «العدو الداخلي» بعد شهور من سرديات المؤامرة بكل نسخها من الاستعمار وحتى الجيل الرابع...
كان شرط فعالية «وكالات الحكم» أن يكون لكل وكيل راع غربي، وكفيل مالي، إضافة إلى قدرة «الوكيل» على تحييد الناس ونوم المجتمع انتظارا لنداء الحشد بكل الحماسة الوطنية...
الآن هذه النهاية لم تعد صالحة... بعد اهتزاز قدرات كيانات الحشد وتمتين «نظام الوكالة»...الذي يعتبر الجمهور إما «رهائن» استمراره لخدمة مصالح الرعاة الدوليين، أو «مهاجرين/ لاجئين» في مغامرة إنقاذ الحياة...
وهنا لا يمكن توقع «نهاية» للسردية التي نعيشها في واقع سائل تتحرك فيه كتل حرجة بين المغامرة والصفقة...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News