أحمد، 19 عاماً، مفقود منذ عام 1975
كنتُ الابنَ الأكبر في عائلتي، وأخذتُ هذا الدور على مَحملِ الجدّ. بعدَ وفاة والدي أصبحتُ أنا المُعيل لأمي وأخوتي الستة. كنتُ شخصاً مسؤولاً، ولكني في الوقت ذاته كنتُ اقوم بأعمالِ شيطنة مع أخوتي. كنا نتسلل من البيت ونذهب إلى ساحة الشهداء حيث كنا نجتمعُ مع أصحابنا. غالباً ما كان ذلك يُسبب لنا الكثير من المتاعب مع والِدَتِنا ولكني كنتُ دوماً أتَلَقى اللومَ بدلاً منهم.
مع بداية الحرب كنتُ على وشكِ فتح متجرٍ لكي أساعد عائلتي ولكي أستقرّ وأكوّن عائلةً لنفسي. ولكنَ مُخططي لم يَكتَمل.
حينَ كانت الحرب لا تزالُ في أشهرها الأولى ومع اشتداد الاشتباكات، قرّرنا أن نَترُكَ منطقة النبعة حيثُ كنا نعيشُ مع جدَتي ونَستَقِّرُ في ناحية بيروت الغربية.
ذاتَ يومٍ وبينما كنتُ راكِباً سيارة أجرة برِفقةِ أمي وأختي مُتجهينَ إلى بيتِنا الجديد بعد زيارة جدتي، أوقَفنا حاجز على الطريق. طُلِبَ مني التَرَجّل من السيارة، وكذلك طُلِبَ من راكبَيْن آخَرَيْن – تارِكينَ أمي وأختي في سيارة الأجرة. أمي خديجة صاحَت وصَرخُت تَوَسُّلاً للرجال المسلحين كي يدعوني وشأني. لكنهم لم يفعلوا ذلك.
تماماً مثل العديد من عائلات الأشخاص المفقودين، لقد تلقَّت أمي مكالمات من أشخاصٍ قاموا بوعدِها أنَهُ بإمكانها التَكَلُم معي عبر الهاتف مقابل مبلغ من المال. في كلِّ مَرَّةٍ كانت تدفع المال المطلوب. وفي كلِّ مَرَّةٍ كانت تأمل ان تكون هذه المَرَّة مُختَلِفَة، وأنهُ بإمكانها أن تثق بهذا الشخص. لكنها لم تتكلّم معي أبداً.
منذ ذلك الحين وهي لم تتوقف عن البحث عني. خلالَ ذلك، تَعَرَّفَت على أهالي يَمرُّون بنفسِ الألَم والمُعاناة التي كانت تَمُّرُ بها، فَبَدَأوا يطالبونَ معاً بالإفراجِ عن ذَويهم.
إلى هذا التاريخ، قامت أمي بحضور جميع المظاهرات والاجتماعات، مطالبةً بالحصول على أجوبة. منذ أيامٍ قليلةٍ، في يومِ عيد الأم، تَوَفّيت أمي. مثلَ أوديت ونايفة والعديدِ من الأمهاتِ الأخرَيات، ماتَت أمي دونَ أن تعرفَ ما الذي جرى مع ابنِها.
لَكِنَّ نِضَالَها لم ينتهِ.
لا تدعوا قصتنا تنتهي هنا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News