بعد تسعة أشهر من الأزمة وقف حزب الله أمام مشهد تداعي الحليف وقد بدأ اليقين بأنه على عتبة الأفول وأن زمناً جديداً قد يبدأ في أي لحظة. توجه السيد نصر الله ومجموعة من القياديين إلى إيران وهناك اختتموا جلساتهم بلقاء المرشد السيد علي خامنئي.
وبحسب مقال للصحافي علي الهاشم، يروي إسماعيل كوثري، النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي في إيران ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي فيه، قصة هذا اللقاء فيقول على موقعه الشخصي ولاحقاً في مقابلة مع وكالة فارس الإيرانية إن نصر الله قال لخامنئي إنه يرى بأن الأمور تتجه نحو النهاية بالنسبة للنظام في دمشق، عندها رد خامنئي قائلاً "إسمعوا ما أقوله جيداً، إذهبوا وضعوا برنامجاً وخططوا له جيداً وليكن على رأس أولوياته بقاء بشار الأسد والحفاظ على سوريا".
في 18 تموز/ يوليو 2012 دوى إنفجار ضخم في دمشق اهتزت له العاصمة ومعه اهتز النظام. جاء الخبر عن سقوط أعضاء خلية الأزمة جميعاً في تفجير طال مبنى الأمن القومي. قتل وزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، وهو زوج شقيقة الأسد، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام باختيار، ومعاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن تركماني. فجأة خرجت الأمور عن السيطرة في العاصمة السورية، سحب العديد من الحواجز، قرر العديد من العناصر الإنكفاء، وعدد آخر منهم الإنشقاق، وصلت كتائب المعارضة إلى حي الميدان التاريخي في دمشق وبدأ بعض وسائل الإعلام يتحدث بشكل واضح عن انطلاق معركة بركان دمشق وزلزال سوريا. في هذه اللحظة ظهر في المشهد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي وصل إلى العاصمة السورية لتبدأ عمليات التنسيق لضرب الزخم المتصاعد لدى مسلحي المعارضة وإعادة المعنويات للجيش السوري ولتنطلق عملية التمهيد للمرحلة التي ستبدأ بعد عام تقريباً، مرحلة حزب الله في سوريا.
بعد عامين تقريباً من الأزمة كانت الحدود اللبنانية مع سوريا، بإستثناء بعض الجيوب الرسمية كطريق دمشق بيروت، كلها مع المعارضة على اختلاف توجهاتها، حتى بعض أهم خطوط الإمداد التي كانت تستخدمها المقاومة الإسلامية سقطت في يد من حملوا السلاح. وفي هذا الإطار يحكى عن سقوط عدد من شحنات الأسلحة التي كانت متوجهة إلى لبنان بأيدي المسلحين وهو ما يعني لحزب الله مساساً سافراً بخطوط حياته. في هذا الوقت كانت منطقة السيدة زينب حيث يقع مرقد إبنة الإمام علي بن أبي طالب على وشك الإنهيار ومئذنة المقام قد تلقت العديد من القذائف، وعلى الجانب الآخر من محيط العاصمة، في داريا، كان مقام شقيقتها السيدة سكينة قد سقط وإنهار جزء منه. بدأت إرهاصات قرار بالتدخل المحدود تظهر تحت عناوين مختلفة، لكنها كانت دائما تصطدم بالخشية من ردة الفعل، هنا لا بد من الإشارة إلى أن شكل حضور حزب الله اليوم في سوريا لم يكن أبداً في البال لحظة اتخاذ القرار. جاء القرار الأول، حماية الأماكن المقدسة واستعادة المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية وتنظيفها وتعزيزها لاستعادة وظائفها السابقة، والقصد هنا خطوط إمداد المقاومة. تدريجياً بدأت المشاركة، وتدريجياً بدأت العمليات، وبدأ التحضير للمعركة الكبيرة في القصير، ومن بعدها في الغوطتين وفي القلمون.
في هذا الوقت كانت محاولات الحل السياسي واجتراح التسويات جارية على قدم وساق، روسيا وإيران قادتا هذا المسعى وقدمتا معاً أو كل على حدا مبادرات عديدة، كلها باءت بالفشل. من جنيف بأرقامه المتعددة، إلى موسكو، إلى محاولات جمع للمعارضة والنظام في طهران. كما أن معارضة الداخل لم تكن قادرة على التصدي لدورها وتحولت لاحقاً إلى حالة فولوكلورية لا يمكن التعويل عليها، بينما معارضة الخارج المدعومة من بعض دول الخليج والغرب مزقتها الخلافات ولاحقاً إضمحل دورها لصالح المجموعات المسلحة على الأرض. بعد ذلك تحولت هذه المجموعات أيضاً إلى مجرد مظلة قبل أن تسقط بالضربة القاضية وتصبح كل من "جبهة النصرة" و"جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام" و"تنظيم داعش" كل في مواجهة الآخر، الحالات المسلحة الأقوى على الأرض.
يتساءل كثر لماذا قرر الحزب مساندة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولماذا لم يقف على الحياد، بل إن بعضهم يذهب باتجاه منحى أكثر راديكالية ويتساءل لماذا لم يقف الحزب إلى جانب الثوار؟
يقول معارض سوري معروف باعتداله "إن الحد الأدنى الذي كانت تضعه الدول الحليفة للأسد كان وجود الأسد الذي كان رحيله الحد الأدنى بالنسبة للمعارضة ومن التحق بركبها". يضيف "تصادمت الخطوط الدنيا فلم يكن بالإمكان الوصول لتسويات مع غياب هامش التضحيات، فلا أحد بين الثوار يجرؤ أن يقبل ببقاء الأسد لأن ذلك سيحوله لخائن وشبيح، وأفهم أن الطرف الآخر يرى في رحيل شخص الأسد هزيمة حتى وإن بقي النظام". يلوم المعارض حزب الله على عدم بذله جهوداً أكبر لإقناع النظام بتغيير سلوكه بشكل جدي، يقول "إنتظر كثر من حزب الله أن يضغط على الأسد، أن يدفعه للقيام بخطوات حقيقية يمكن البناء عليها، في الحد الأدنى أن يقول له إن الإنتخابات الرئاسية مفصلية وإنه لحل المشكلة لا بد من أن تكون حقيقية لا مسرحية فاشلة كتلك التي حصلت، لكن حزب الله لم يقم بكل ذلك".
آخر وهو صحفي معارض أيضاً للنظام تساءل "هل حقاً يستطيع محور إيران سوريا حزب الله تقبل حدوث إصلاحات جدية في سوريا، قد تؤدي (ربما أو على الأرجح) إلى الإطاحة بحكم الأسد والتركيبة الحاكمة؟ وأن تأتي بتركيبة أخرى (بشكل سلمي وديمقراطي وعبر صناديق الاقتراع) ذات سياسات مختلفة قد تهدد مصالح المحور؟ فحق الأكثرية اتخاذ القرار الذي تريده وفق الآليات الدستورية". يضيف الزميل الذي فضل عدم ذكر إسمه "برأيي لا يمكن للحزب وإيران تقبل ذلك... أما تحرك الحزب فقد كان للحفاظ على التركيبة القائمة بأقل الخسائر من خلال القضاء على أماكن الفساد التي تؤدي لمثل هذه الاحتجاجات والمعارضات. صحيح أن أسلوب الحزب كان أفضل من أسلوب النظام (الحل الأمني) لكن الهدف واحد، الإصلاح الجزئي وبقاء المنظومة القائمة. وأي تهديد لهما يعني المواجهة. والباقي كان ذرائع لتبرير التدخل. إما أنا أو المواجهة".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News