شكّلت وثيقة الوفاق الوطني التي انبثقت من اتفاق الطائف الذي توصّل اليه النواب في العام 1989 لانهاء حرب اهلية دامت عقداً ونصفاً من العقد، مدخلا لاصلاح النظام السياسي، واجراء تعديلات دستورية على تكوين السلطة، وانشاء مؤسسات تعزز الثقة بالدولة، وتلجم القائمين عليها في خرق الدستور وعدم تطبيق القوانين، وقمع الحريات، واستخدام السلطة بغير وجه دستوري وقانوني.
ولقد كان انشاء المجلس الدستوري والمجلس الوطني للاعلام، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي من ابرز ما تحقق من اصلاحات تمت استعارتها من تجارب دول اخرى، واقتبست من فرنسا، الا ان انشاء هذه المؤسسات، لم يكن وفق ما توخى منه من طالب باصلاحات، او ما نص عليه اتفاق الطائف الذي لم يعمل به منذ اكثر من ربع قرن، وحصلت عملية انتقائىة لبنوده بما يخدم الطبقة السياسية والحالة الطائفية المستشرية التي لم يلجأ من اوكل اليهم تحقيق الاصلاحات الغاء الطائفية، ليتبين انه ممنوع على اللبنانيين تطوير نظامهم السياسي، حيث اظهرت الممارسة، ان المجلس الدستوري الذي نص اتفاق الطائف على انه توكل اليه مهمة تفسير الدستور قد انتزعت منه هذه المهمة او الصلاحية، ليبقى دوره مقتصرا على مراقبة دستورية القوانين، وهو ما اكتشفه رئيس المجلس الدستوري الحالي الدكتور عصام سليمان، من خلال ترؤسه وتجربته في المجلس، الذي رأى فيه ومنذ «تاريخ انشائه وممارسته للمهام المنوطة به فضلا عن طريقة تأليفه، واتخاذ القرارات الصادرة عنه عن عدد من الثغر في النصوص التي تحكم عمله ادت الى تقليص دوره في تحقيق العدالة الدستورية وانتظام اداء المؤسسات الدستورية».
فالمجلس الدستوري وبعد مرور حوالى 22 عاما على انشائه بموجب القانون رقم 250 الصادر بتاريخ 13 تموز 1993 وتعديلاته، والنظام الداخلي للمجلس الصادر بالقانون رقم 243 تاريخ 7 آب 2000، فانه هو في حالة انتظار لمن يأتيه ليقوم بمراجعه امامه من قبل احد المراجع الذين حددتهم تلك الاحكام حيث اقتصر دوره على مراقبة دستورية القوانين اذا ما طُلب منه والبت في الطعون الناشئة عن الانتخابات النيابية او الرئاسية، اذا ما جرى تقديم طعن امامه، وخارج ذلك يبقى عاطلا من العمل يقول رئىسه الدكتور سليمان، الذي رفض السكوت عن الثغر التي اعترت تجربة عمل المجلس الدستوري، فقرر ادخال تعديلات على النص الدستوري المعمول به وبعض النصوص القانونية المتعلقة به وقدم لهذه الغاية دراسة وافية قبل اشهر رفعها الى المراجع الرسمية في رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وكان ينتظر انتخاب رئىس للجمهورية وهو كان بحثها مع الرئيس السابق ميشال سليمان واطلعه على مضمونها.
فاسترجاع صلاحية المجلس الدستوري في تفسير الدستور هو ما يطالب به رئيسه الحالي، لان خارج المهمة هذه فلا ضرورة له، وقد سلب مجلس النواب هذه المهمة منه عند انشائه، اذ يقترح الدكتور سليمان، في التعديلات ومنها المادة 19 من الدستور على ان تصبح على الشكل الآتي بعد التعديل:
1- ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور، ولمراقبة دستورية القوانين وبت النزاعات والطعون الناشئة الرئاسية والنيابية.
2- تعود مراجعة المجلس الدستوري بشأن تفسير الدستور، ومراقبة دستورية القوانين الى كل من رئىس الجمهورية ورئىس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء او الى عشرة اعضاء من مجلس النواب والى رؤساء الطوائف المعترف بها قانونا في ما يتعلق حصرا بالاحوال الشخصية، وحرية المعتقد، وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني.
ولكي يبقى المجلس الدستوري في حالة انتظار وبطالة مقنّعة، قرّر ان ينتفض على ما اعطي من مهام وصلاحيات هي خارج نص وثيقة الوفاق الوطني، فاقترح رئىسه ووفق التعديل الذي يقترحه ان «يمارس المجلس الدستوري عفوا ومن تلقاء ذاته رقابة على دستورية القوانين التي تنشئه وتنظم عمله الداخلي وعلى النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس الوزراء، وقانون الانتخابات النيابية وقوانين تنظيم القضاء وقانون الموازنة، وقانون الجنسية، وقانون اللامركزية الادارية.
ان ثمة حاجة الى تفسير الدستور وهو ما ثبت بالممارسة لعمل السلطة التشريعية، التي حصل خلاف داخلها على تفسير مواد في الدستور مثل المادة 49 المتصلة بانتخاب رئيس الجمهورية، والنصاب القانوني لجلسة الانتخاب اضافة الى ما يتعلق بالاستشارات النيابية الملزمة لرئىس الجمهورية عند تسمية رئىس الحكومة وهل يترك النواب الاسم له كما حصل في اول عهد الرئيس اميل لحود عام 1998، ثم في صلاحيات الحكومة اذا شغر موقع رئىس الجمهورية والتي ظهرت في عمل الحكومة الحالية، اضافة الى مواد اخرى كان تفسيرها يتم سياسيا وليس دستوريا، وهو ما يرى الدكتور سليمان بأنها تعود الى المجلس الدستوري الذي نظم ورشة نهاية الاسبوع الماضي بالتعاون مع مؤسسة «كونراد آديناور» الألمانية والتي لديها برنامج تعمل عليه تحت اسم «حكم القانون في الشرق الاوسط وشمال افريقيا».
هذه الورشة التي عقدها المجلس الدستوري مع المؤسسة طوال نهار واحد تحت عنوان «مشروع توسيع صلاحيات المجلس الدستوري وتفعيل ادائه في لبنان»، صبت الدراسات والمحاضرات والمداخلات التي قدمها وشارك فيها عدد من رجال القانون والدستور، صبت كلها في توجه نحو اجراء تعديلات دستورية على انشاء المجلس ومهامه، اذ يقترح الدكتور سليمان بأن يعطي لرئيس الجمهورية وحده الحق تعيين الاعضاء الخمسة الذين اعطي لمجلس الوزراء حق تعيينهم باعتبار ان مجلس الوزراء، هو يمثل الكتل النيابية، وقد اعطي مجلس النواب حق انتخاب خمسة اعضاء، حصرها سليمان بجلسة اولى وباكثرية مطلقة، اضافة الى خفض النصاب القانوني للمجلس الدستوري من 8 الى اكثرية مطلقة، بعد تجربة تعطيل عمله، اثناء البت في الطعن المقدم امامه بشأن التمديد لمجلس النواب.
ويبرز امر هام في التعديل المقترح، هو ان مراقبة دستورية القوانين حصرها القانون، بتلك اللاحقة لانشائه، في حين يعطي التعديل الحق الى ما قبل هذا التاريخ، ويفسح في المجال للمتقاضين امام المحاكم حق الدفع «بعدم دستورية نص قانوني».
انها انتفاضة او ثورة يطلقها المجلس الدستوري بشخص رئيسه، لتصحيح خلل حصل في انشائه وتوسعة صلاحياته، من خلال التجربة، كما هي الحال مع المجلس الوطني للاعلام الذي اعطي دوراً استشارياً، فتم تقديم دراسة لتعديل قانون انشائه، ليصبح دوره تقريرياً، وهو ما يحصل ايضا مع المجلس الاقتصادي - الاجتماعي المعطل دوره.
انها اصلاحات لتطوير النظام السياسي، فتم تظهيرها فولكلورياً، ودون مضمون فعلي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News