تبذل الخارجية الأميركية منذ عقدين من الزمن جهداً لتوفير أكبر قدر ممكن في الشرق الأوسط من الاستقرار السياسي لـ«إسرائيل» بالاشتراك مع المؤسسات الأمنية الأميركية من استخبارات خارجية «سي أي آي» إلى محلية فدرالية، من دون توفير أيّ جهد ممكن في هذا الإطار إلا أنّ معضلة الحصول على الاستقرار المنشود شكل أزمة جدية في واشنطن منذ نشوء الحركات المقاومة والقوى المسمّاة ممانعة، أي التي تمانع الخضوع للسياسة «الإسرائيلية» وترفض التطبيع وتمرير أيّ شكل من أشكال الاحتلال بالمطلق.
حزب الله يشكل أحد أبرز الهواجس «الإسرائيلية» – الأميركية الذي نشأ بنشوء الاحتلال «الإسرائيلي» لجنوب لبنان او كنتيجة له مثل كلّ حركات المقاومة في المنطقة، لم يكن حزب الله واضح المعالم آنذاك كفصيل مقاوم حاضر، لكنه كان قيد الولادة أو مشكل ضمن بيئة جاهزة للتأطير والتنظيم في كلّ مرة تدعو الحاجة والمصلحة لتوسيع دائرة قتال المحتل، فجزء منه تربّى بين قوى يسارية والجزء الآخر برز في حركات مقاومة عززها حضور السيد موسى الصدر مثل حركة أمل والبعض الآخر انضم حديثاً إلى الحالة التي استنفرت الجنوبيين بشكل كبير.
صراع «الإسرائيليين» مع حزب الله تضمّن إنجازات وانتكاسات لكلا الطرفين، ففي وقت كانت «إسرائيل» تسيطر على جزء من الأرض اللبنانية، فإنها لم تكن قادرة على السيطرة على هذا الإنجاز بكامل عناصره، وبالوقت نفسه لم يكن حزب الله قادراً على حسم الأمور لمصلحته لا بالتوقيت ولا بالعناصر المادية، فقدرة «إسرائيل» ليست معرض جدال ولا تفوّقها العسكري بين أقوى جيوش العالم، لم يكن حزب الله قادراً على تحرير أرض الجنوب بسنة واحدة أو سنتين فقد تخطت المحاولات عقداً من الزمن، ولم يكن قادراً أيضاً على حسم المعارك دون خسائر بالأرواح، لهذا السبب تحرص قيادات حزب الله المتعاقبة على التشديد على أهمية التمسك بقيم اساسية مثل «الثبات» و«الصبر»، وهذا ما يلاحظ تكراره على لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله دائماً، وهو ما ينسحب على بقية الشخصيات في الحزب، وهذا اذا دلّ على شيء فإنما يدلّ على أمرين أساسيين… الأول اعتبار الحزب انّ المعركة مع «إسرائيل» طويلة ومن غير المعروف متى يمكن تحديد وقت زمني لهذا الأمر طالما انّ القضية الفلسطينية لا تزال عالقة. والثاني أنّ الحزب مستعدّ لكلّ ما ترتبه عليه المعركة من متطلبات ومندرجات وخسائر أيضاً حتى تحقيق الهدف او النصر بتعبير أفراده ومناصريه.
جزء أساسي من تكوين الحزب بشرياً وفكرياً بين عناصر ومؤيدين يعتمد على صورة «أفلاطونية» في مخيّلة البعض تطوّرت حتى تعدّلت لتصبح حاجة ومنطقاً وهوية لانتصار اول على إسرائيل»، بكلّ الأحوال لا يحتاج مفهوم المقاومة اليوم إلى العودة إلى الوراء، حيث تأسيسها لشرحه أيّ إلى العودة إلى الحركات الشيوعية أو اليسارية التي خفت حضورها بخفوت عقيدتها في البلاد والمنطقة، فالانتصار بطبيعة الحال أتى في عهد الحزب وليس سواه. وهنا لا يرتبط الأمر بإقصاء قام به حزب الله لتلك القوى بل يرتبط بنمو تصاعدي للجهات الدولية الداعمة للحزب مقابل صعود محلي يكرس الحاجة للمقاومة، فكانت متلازمتان شرحتا أكثر ضرورة تعزيز حضوره، وإذا كان فكر الشيوعية في العالم آخذ بالانحسار فإنّ فكراً آخر شرق أوسطيّ آخذ بالصعود ويتمثل بالفكر العقائدي الشيعي الذي انتهجته إيران في نظامها واستقطبت به مناصريها في المنطقة على أساس الالتقاء أولاً على العداء لـ«إسرائيل»، وهنا تفسّر حركات مثل الجهاد الاسلامي وحماس دعمت من طهران وثانياً فكر عقائدي ينتهج مبدأ التضحية في سبيل الجماعة او الحق.
تعيش «إسرائيل» هاجس تقليص تمدد هذه القيم في جسم حزب الله منذ سنوات، وقد كرّست لهذا الأمر جزءاً أساسياً من عملها الاستخباري حول العالم بين قنصليات ومؤسسات، بعضها تجاري وإعلامي، من اجل تشويه هذه الصورة التي تثير إعجاب اللبنانيين والعرب.
نجحت «إسرائيل» في فكّ الارتباط العاطفي بين حزب الله والعرب في أكثر من مناسبة، وكان لاغتيال الحريري أثر بالغ أصاب بالصميم، وكانت فرصة استثمار «إسرائيلي» هامة. والمحطة الثانية تمثّلت في معركة الداخل 7 أيار عام 2008 التي تركت أثراً بالغاً في نفوس خصومه واللبنانيين في المقلب الآخر. العمل على تشويه صورة الحزب أتى أيضاً بشكل مباشر عبر سفير واشنطن السابق في لبنان جيفري فيلتمان الذي قاد مرحلة لا يُستهان بها من التوتر في البلاد بالتعاون مع 14 آذار خصوم الحزب السياسيين، فقدّم عروضاً مالية لمؤسسات إعلامية لتقوم بالمهمة. حُكي حينها عن تخصيص الإدارة الأميركية مبلغ 500 مليون دولار لإنجاز المهمة.
كل هذا لم يرض «الإسرائيليين» فتمّ استغلال معركة سورية وخوض تجربة تحريض بنية المقاومة على الحزب واعتباره سبباً أساسياً في موت أبنائها وإرسالهم إلى سورية في معركة مفتوحة غير معروفة المعالم والخواتيم. قياس شعبية حزب الله لا يمكن أن يتجسّد خارج إطار انتخابي ومعركة البلديات اليوم حكت العكس، فالحزب يكتسح في مناطقه ويحصد شعبية في صفوف المسيحيين في قاعدة التيار الوطني الحر واللبنانيين على موعد مع اكتساح جديد في الجنوب عرين حزب الله ومعقله.
أخطأت «إسرائيل» الحساب مجدداً… وكأنه لم يكن ينقصها الا اغتيال القائد بدر الدين بسورية لرفع شعبية الحزب أكثر في صناديق الجنوب الأحد المقبل…
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News