ليبانون ديبايت - ربيع الشاعر
ان استقالة النائب روبير فاضل هي رسالة مدوية في وجه النواب الممددين خلافا للدستور بغض النظر عن الأسباب التي وراءها والتي ليست كلها بسبب عدم التمثيل المسيحي في المجلس البلدي في طرابلس بل وكما جاء في الاستقالة انها تعود لسبب التمديد ذاته ولعدم أخذ المجلس باقتراحات القوانين المقدمة من النائب فاضل والتي لها علاقة بمكافحة الفقر وأزمة الكهرباء، بالإضافة الى اعتراضه على ما يدور في مداولات طاولة الحوار! ولكن الملفت ان الرئيس بري يرفض هذه الاستقالة وهذه قمة التعدي على الدستور حيث يمدد المجلس ولايته الى ما يشاء ويرفض استقالة أعضائه غصبا عنهم!! ان الدستور اللبناني لم ينظم مسألة استقالة النائب وهذا بحد ذاته أمراً مشجوباً حيث لا يجب ان تترك هذه المسألة للقانون. فتخيلوا معي غدا ان يصدر المجلس قانوناً ( او تعديلا على لائحته الداخلية) يحدد فيها ان النائب لا تقبل استقالته الا من ثلثي أعضاء المجلس، أو ان النائب يعتبر مستقيلا في حال تعرّض في انتقاد لدولة ما او لأمر ما! هذا بالطبع مرفوض ولا يمكن تركه لحكم القانون. وفي نطلق الاحوال ان كان لا بد من ان ينظم القانون ذلك فعليه ان يعتبر النائب الذي يتغيب عن حضور خمس جلسات متتالية من دون عذر شرعي ومقبول بحكم المستقيل ولا يستحق مرتبه طوال فترة تغيبه! ولكن بغض النظر عن ذلك، نصت المادة ٢٩ من الدستور ان :" الأحوال التي تفقد معها الأهلية للنيابة يعينها القانون" ويفهم من هذا النص ان القانون يحدد الأهلية للترشح وليس الأهلية للبقاء في المجلس. كما نصت المادة ٤٣ من الدستور ان: " للمجلس ان يضع نظامه الداخلي" دون ان تحدد ماهية الأمور الآي يشملها هذا النظام. من هنا، وبالعودة الى النظام الداخلي نجد الفصل الخامس من النظام الداخلي يتناول موضوع الاستقالة في ثلاث مواد هي كالتالي:
المادة ١٦:" للنائب أن يستقيل من النيابة بكتاب خطي صريح يقدم الى رئيس المجلس، فإن وردت الاستقالة مقيدة بشرط تعتبر لاغية" والمادة ١٧:"على الرئيس أن يعلم المجلس بالاستقالة بأن يتلو كتاب الاستقالة في أول جلسة علنية تلي تقديمها وتعتبر الاستقالة نهائية فور أخذ المجلس علماً بها" والمادة ١٨:" للنائب المستقيل أن يرجع عن استقالته بكتاب خطي يقدم الى رئيس المجلس قبل أخذ المجلس علماً بها وتعتبر الاستقالة كأنها لم تكن".
ماذا يفهم من هذه المواد؟ ان النائب المستقيل روبير فاضل لم يقيد استقالته بأي شرط وبالتالي هي استقالة جائزة قانونا. ان المادة ١٧ تأمر الرئيس بأن يعلم المجلس بالاستقالة بأن يتلو كتاب الاستقالة في اول جلسة علنية تلي تقديمها، وبالتالي ليس لرئيس المجلس اي سلطة استنسابية في هذا الشأن وكل ما عليه ان يقوم به هو تلاوة كتاب الاستقالة في اول جلسة علنية للمجلس والتي تصبح نهائية فور أخذ المجلس علماً بها، أي أن ليس للمجلس ايضا اي سلطة بقبول او رفض هذه الاستقالة. ولكن في هذه الحالة على الرئيس ان يقوم بأمر من اثنين، اولا اذا اعتبرنا انه امام الفراغ الرئاسي تطبق المادة ٧٥ من الدستور التي تعتبر ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر، لذا في هذه الحال تعتبر جلسة انتخاب الرئيس المقبلة هي اول جلسة علنية للمجلس بعد تقديم الاستقالة بحسب المادة ١٧ من النظام الداخلي وعليه ملزم رئيس المجلس ان يتلو كتاب الاستقالة على الأعضاء الحاضرين فيأخذ المجلس علماً بها فتأخذ مفعولها فورا بعد ذلك وخاصة ان الاستقالة ستؤثر بالأكثرية المطلوبة لانتخاب الرئيس. لا يعتد في هذه الحالة لاعتبار المجلس ملتئما بالجدل الدائر حول نصاب جلسة الانتخاب المنصوص عنه في المادة ٤٩ من الدستور لان النظام الداخلي لم يحدد اكثرية معينة لالتئام المجلس في هذه الحالة حيث يكتفى بالأكثرية البسيطة لتلاوة كتاب الاستقالة الا وهي نصف النصف زائد واحد أي ٣٣ نائبا.
أما الافتراضية الثانية فهي عدم احترام الدستور كما يقومون به الآن من خلال عدم احترام المادة ٧٥ من الدستور واللجوء الى ما يسمى هرطقة "تشريع الضرورة"، فعندها على الرئيس في اول جلسة للمجلس ان يتلو كتاب الاستقالة ليأخذ مفعوله فوراً، إلا اذا عاد النائب المستقيل عن استقالته كتابة قبل ذلك وهذا ما لا نتمناه.
في الخلاصة، ان الدستور اللبناني أصبح مطية لتفسيرات اعتباطية من قبل المجلس الممدد له، وهم يرفضون فكرة ان يلتزم احدهم باحترام الدستور ويستقيل احتراما لارادة الشعب كي لا يفضحهم اكثر. كما انهم يتخوفون ربما من ان تدفع هذه الاستقالة الى استقالات جماعية لعدد من النواب قد يكون معظمهم من المسيحيين احتجاجا على عدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن مما سيدفع هذا المجلس الى تقديم استقالة جماعية لفقدان ميثاقيته لانتخاب رئيس للجمهورية وهذا ما لا ترتضيه هذه الطبقة السياسية التي بدأت تعيد اعتباراتها في شأن اي قانون انتخاب جديد سيؤمن لها الهيمنة المطلقة كما هو الامر الآن وخاصة بعد الانتخابات البلدية الأخيرة والنتائج المميزة التي حصل عليها المجتمع المدني. بئس هذا الزمن وهذه الرجالات ولكن مهما طال الاستبداد لا بد أن تصطلح الأمور من خلال نشر ثقافة الديمقراطية والحريات والمحاسبة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News