مختارات

دافيد عيسى

دافيد عيسى

نور نيوز
الاثنين 20 حزيران 2016 - 12:38 نور نيوز
دافيد عيسى

دافيد عيسى

نور نيوز

سامي الجميل... صراع بين "المبدئية والواقعية"

سامي الجميل... صراع بين "المبدئية والواقعية"

مرت سنة بالتمام والكمال على تسلّم سامي امين الجميل رئاسة حزب الكتائب، وقد حاول خلال هذه الفترة جاهدآ تقديم نفسه انه من خارج هذه الطبقة السياسية ومتمرداً عليها مع انه ابن هذه الطبقة ومن صميمها، من هنا تعرض خلال هذه الفترة لكثير من الانتقادات من بعض الاعلام والاعلاميين.

منذ تسلم الجميل الابن رئاسة الحزب وانا اراقب عن بعد وكمستقل يتعاطى الشأن العام اداء هذا الشاب على كل المستويات الشخصية والشعبية والسياسية، وبامكاني القول انه اثبت حتى اليوم على المستوى الشخصي انه نظيف الكف والعقل واللسان.

وكذلك اثبت على المستوى الشعبي انه قريب من اللبنانيين وهمومهم اليومية يتفاعل معهم ومع قضاياهم الحياتية والمعيشية والاجتماعية، ولا يضع مسافة بينه وبينهم ولا يقيم حواجز فاصلة، ولا يقبع في برج عاجي وانما يعيش الأرض ويعرف تماماً «نبض الشارع والمزاج الشعبي العام»، من هنا تلقى مواقفه الأصداء الطيبة داخل صفوف شباب حزبه وعند شريحة من اللبنانيين الغير ملتزمين حزبياً.

اما على المستوى السياسي العام فقد اظهر هذا الشاب حكمة وتعقل، وخاض منذ تسلمه رئاسة الحزب صراع بين المبدئية والواقعية، فهو في مواقفه السياسية مبدئي وملتزم بمبادئ حزب الكتائب، ولكنه في الوقت نفسه واقعي مع نفسه ومع الناس، فهو لا يصنع اوهاماً، وهذه القدرة في المزيج بين المبدئية والواقعية مردها بكل بساطة الى انه يعرف حدوده وحدود اللعبة السياسية في لبنان، ويعرف جيدآ صعوبة المرحلة التي تعيشها المنطقة نتيجة ما سمي بـ «الربيع العربي» ويعرف مدى تأثيرها على الداخل اللبناني، كما يعرف ان الصراع المذهبي الخطير الذي تعيشه المنطقة ينعكس سلباً على لبنان وتتأثر به بعض القوى السياسية الاساسية في لبنان نتيجة ارتباط هذه القوى سياسياً ومالياً بدول اقليمية معنية بهذه التطورات، من هنا عرف سامي الجميل قواعد وحدود اللعبة وحجم قدراته وامكاناته، وذهب مباشرة الى اهداف واقعية.

واقعيته السياسية ظهرت اولاً في قرار المشاركة في حكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام والتي كان كثيرون يعرفون انها حكومة ملء الفراغ الرئاسي وان عمرها سيكون طويلاً بطول ازمة الفراغ وامده، حيث شارك حزب الكتائب في الحكومة بـ 3 وزراء اي بحصة وزارية وازنة، لكن الظروف المعروفة والانقسامات المذهبية والصراعات السياسية لم تُتَح لهم فرصة المشاركة الفعلية والمؤثرة في صنع القرارات السياسية الكبرى (انتخابات رئاسة الجمهورية ـ قانون انتخابي عادل ومتوازن يعكس التمثيل الصحيح).
لكن في المقابل امسك سامي الجميل بملفاته الوزارية وتعاطى معها بمنهجية علمية مبنية على الوقائع والأرقام، ونجح ان يكون عبر بعض وزرائه جزءاً من حملة مكافحة الفساد والتصدي للصفقات والملفات المشبوهة وان يقف في صف المجتمع المدني مميّزاً نفسه عن بعض هذه الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة.

لقد تعاطى سامي الجميل منذ تسلمه رئاسة حزب الكتائب مع بعض الملفات الداخلية المطروحة بعيداً عن «السياسة التقليدية» القائمة على المراوغة والتذاكي والخداع، ولنا في ذلك اكثر من مثل ونموذج:

1- عندما فُتح ملف النفايات، كان سامي الجميل المُبادر والسباق الى فضح صفقات هذا الملف والمنتفعين منه، ولم يكتفي فقط بفضح الصفقات بل ذهب الى طرح حلول ومعالجات علمية ومسؤولة لهذا الملف على اساس دراسات مستفيضة اجراها خبراء في حزب الكتائب.
2- عندما فُتح ملف جهاز امن الدولة، تصدّى حزب الكتائب عبر وزرائه داخل مجلس الوزراء لسياسة الإهمال والإجحاف المتَبعة مع هذا الجهاز ورئيسه والتوجّه المريب الى إضعافه ومحاربته.
3- عندما انطلقت ورشة قانون الإنتخاب الجديد، لم يحصر حزب الكتائب نفسه في طروحات جامدة ومعلبة وانما خرج منها وعليها وتجاوز كل الصيغ المتداولة والمتأرجحة بين النظام الأكثري والنسبي والمختلط، ليطرح نظام الدائرة الفردية التي هي الأصدق في التعبير عن التمثيل الشعبي الصحيح.
اما على صعيد الإنتخابات البلدية التي حصلت مؤخرآ فإنها شكلت فرصة لسامي الجميل كي يٌظهر حكمته السياسية عندما قرر التعاطي بسلاسة ومرونة مع هذه الإنتخابات ومقتضياتها اخذآ بعين الاعتبار طابعها المحلي وهدفها الانمائي محترمآ الخصوصيات والإعتبارات العائلية.

وبالرغم من ذلك، نجح حزب الكتائب برئاسة سامي الجميل في ان يحجز له مكاناً في هذه الانتخابات البلدية وفي ان يحصل على حصة وحيّز يفوقان الكلفة التي تكبّدها.
الإنتخابات البلدية كشفت فداحة الخلل الحاصل في العلاقة بين الطبقة السياسية والشعب واثبتت ان المحاسبة ممكنة والقدرة على التغيير متوافرة عبر صناديق الإقتراع.

من هنا اتت استقالة وزراء الكتائب من حكومة لا امل يُرجى منها، وبعدما طفح الكيل ولم تعد لديهم القدرة على تحمّل الشواذات والممارسات المريبة والصفقات المشبوهة وسياسة التهميش والتعطيل، كما اتت صرخة احتجاج وتسجيل موقف اعتراضي في وجه الفساد والهريان المستشري على كل الصعد وحول معظم الملفات المشبوهة المطروحة داخل الحكومة (طمر شاطىء المتن بالنفايات ـ سد جنة ـ وغيرها من الملفات التي يدور حولها الكثير من نقاط الاستفهام).

لكن يجب علينا القول ايضآ ان استقالة وزراء الكتائب من الحكومة هي «سيف ذو حدين» لها ايجابياتها ولها سلبياتها، فهي من جهة موقف متمايز ومشرف لسامي الجميل وحزبه على الصعيد الشعبي، وصدمة تضع المسؤولين امام مسؤولياتهم الوطنية وتحثّهم على إجراء تغيير في الممارسة والذهنية والإلتفات الى قضايا الناس الحياتية واليومية والمعيشية وإقفال مسارب الهدر والفساد والسمسرات والصفقات على انواعها، لكنها من جهة ثانية تضعف الحضور المسيحي داخل مجلس الوزراء وتترك حرية الحركة للفاسدين لممارسة فسادهم وصفقاتهم المشبوهة وكيدهم السياسي دون رقيب او حسيب، اضافة الى ان الاستقالة على المستوى السياسي العام لا تغيّر شيئاً في الواقع القائم طالما ان هذه الحكومة مستمرة بقوة الآمر الواقع ويتعذّر تشكيل حكومة بديلة عنها في ظل غياب رئيس للجمهورية، من هنا يستحسن اعادة النظر في موقف الحزب لاتخاذ القرار الذي يخدم المرحلة القادمة ودور المسيحيين في الدولة والسلطة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة