منوعات

جوزف طوق

جوزف طوق

الجمهورية
الجمعة 24 حزيران 2016 - 07:27 الجمهورية
جوزف طوق

جوزف طوق

الجمهورية

كفتة وفيسبوك مع رزّ

كفتة وفيسبوك مع رزّ

إخت الإنترنت وساعتها، أنا شو كان بدّي بهالشغلة تجيب خطّ «دي اس ال» عالبيت... الله وكيلكن صرلي ستّشهُر مستحلي صحن كفتة وبطاطا أو رزّ عدجاج أو كبّة بالصينية، لأنّو -بعيد عنكم- الماما مِن وقت ما دار الراوتر بالبيت صارت مقاطعة المقالي والطناجر، وعم بتحضّر «طبخاتا» بشكل حصري على الأيباد واللابتوب، وصِرنا مقضّايينا ديليفيري، والبابا صار عم يشرب العرقات مع بروستد.

لا أعتقد أنّ والدتي أو رفيقاتها من الجيران مصابات بمرض نفسي أو أيّ عاهة خلقية ثانية، ولكن ببساطة هنّ يشبهنَ العالم الذي نعيش فيه اليوم، فعوَضاً من تنقاية العدس والفاصوليا باتت الأمّ تتلهّى بجمع عدد اللايكات والكومنتات على فيسبوك.

أنا أعلم أنّ دور المرأة لا يقتصر على العمل المنزلي وتحضير الطعام... فحتّى لو كانت الماما وزيرةً اللقمة طيّبة من إيدا، ومَن منّا قادر أن يتخايل أكلة لوبية بزيت من إيدَين البابا، فهو إذا قشّر بصلة أو غسل خيارتين يصاب كلّ مِن في البيت بالكوليرا أو يركضون خلف معدتهم من السالمونيلا.

سبحان الذي خلقه، الرَجل يفهم في كلّ شيء إلّا الحنّية، ولسوء الحظّ بدأت المرأة العصرية تفرّط بحنانها على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء تلهّيها في حصاد الإعجابات... بدّك تعشّقي بعد هالكبرة يا جانيت؟ إي عيشي بَس ليس على حساب عصافير بطننا التي اتنَتّفِت ريشاتها من كثرة الجَفا بينك وبين المطبخ الذي يحنّ إلى لمسة أناملك وباب البرّاد الذي يزَيزق من قلّة الاستعمال.

القصّة لم تبدأ اليوم، وهي ربّما تعود إلى أيام باب الحارة عندما دخلَ التلفون بشكله البدائي إلى قرانا المحافظة، واعتبَر حينها الناس أنّ الغريب دخلَ بينهم وبات يؤثّر على عاداتهم، وما هي إلّا سنوات قليلة حتى اعتاد الناس على التليفون وأصبَح من حاجياتهم. وبعد كم سنة دخلَ الشيطان الأكبر دار أجدادنا، التلفزيون اللعين الذي قضى على الحياة الاجتماعية وقطّعَ أوصال العلاقات العائلية، وبعد محاربتِه بشكل شرس أصبَح التلفزيون حبيبَ الفلاحين ونديمَهم في العواصف الثلجية... وانقضَت الأيام وجاء السيلولير، وبدأت جدّتي تتمرقَع على يلّي «مدندلينه» من خصرهم ولا يفارقونه أبداً،

وكم اعتبَرنا حينها أنّ هذا الدخيل سيقضي على خصوصيتنا ويتحوّل إلى وجعة راس الكبير والصغير، وهِبْ طِفْ صار جدّي يبْعتلنا ميساجِيت من الجنينة كرمال نطلّعلو كيماوي، يعني لم يبقَ إبن مرَا مِن دون سيلولير. ومَن كان يتخايل أن يأتي اليوم الذي يجتمع فيه التلفون والتلفزيون والسيلولير في جهاز واحد، ونصبح جميعنا متعلّقين فيه ونستعمله أكثر ممّا نمارس الجنس في شهر العسل.

المشكلة من أصلها ليست مشكلة والدتي أو والدتكم، ولا قصّة تطوّر وإنترنت... المشكلة الجوهرية هي في طبعنا البشري الذي يبتعد رويداً رويداً عن المفاهيم والمعتقدات التي انسجَنَ داخلها لمئات ولا بل آلاف السنين... ويخرج تلقائياً من الشرنقات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تمّت خياطتُها فوق حرّيته ليعود إلى طبيعته الإنسانية المزيّنة برغبات حيوانية مثل الحرّية المتآكلة في الزواج والمدرسة والجامعة والوظيفة والدوام.

الرَجل والمرأة متساويان ليس في الحقوق فقط وإنّما في الرغبات أيضاً، والرَجل ليس الشاعر أبداً في المجتمع، إذ يحقّ للمرأة ما يحقّ له بالتمام والكمال. وكلّ ما أتمنّاه لوالدتي هو المزيد والمزيد من اللايكات حتى تستطيع التعويض عن كلّ الكبتِ والحرمان والتضحية التي صرَفتها في تربيتنا... هي يحقّ لها أن تعيش ونحن يمكننا طلبُ صحنٍ يومي من الملوخية والبامية والمغربية.

وصدّقوني، قريباً جداً سنترَحَّم على هذه الأيام، لأنه سيأتي وقت تقول لنا أمُّنا «عمول داونلود للطبخة ماما»، وهونيك فينا نقول «وإنترنت رح تاكلي يا حنّة»...

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة