يشغل موضوع الأزمة التي يجتازها تيار المستقبل حيزا بارزا من الاهتمام السياسي والإعلامي اللبناني في الفترة الأخيرة ومما لاشك فيه أن محورية هذا الموضوع وأهميته مستمدتان من كونه يخص القوة المركزية الحاكمة في لبنان منذ اتفاق الطائف والتي فرضت خيارها الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي على البلاد وهيمنت داخل مؤسسات الدولة على مفاصل القرار الرئيسية وقد صعد دورها مذّاك بقوة دفع وحماية شكلها تفاهم دولي إقليمي أميركي - سعودي - سوري وظف في جانب رئيسي من نتائجه ثقل سورية السياسي والعسكري لتأمين تقدم المشروع الحريري على الأرض وإلغاء او تحجيم منافسيه بدون استثناء .
لعبت القدرات المالية السعودية والحريرية دورا في بلورة قوة استقطاب اجتماعية للحريرية تعدت الطائفة السنية التي كانت ميدانها المركزي منذ تبلور النواة الأولى لهذا المشروع في ثمانينيات القرن الماضي ولكن لا يمكن حصر تفسير الأزمة الراهنة وتعبيراتها التنظيمية بتراجع القدرات المالية للرئيس سعد الحريري وهو امر يرتبط بعوامل كثيرة اقتصادية وسياسية سعودية أساسا ودولية عموما فالمال السياسي السعودي المصدر شكل عصبا رئيسيا في تكوين التيار الحريري خلال البدايات ومن ثم مردود السيطرة على الحكم بما فيه من مصالح ومنافع أقلها ما تكشف من صفقات سوكلين ومثيلاتها وما تردد عن محافظ سندات الخزينة وأسهم سوليدير وغير ذلك الكثير لكن جوهر الصعود والهبوط في السياسة لا يمكن فهمه بالمبالغة في ملاحقة بورصة شراء الولاءات التي ليست كافية لفهم العديد من الظواهر السياسية الاجتماعية.
الحقيقة التي يجب الالتفات إليها هي ان الفئات الاجتماعية الوسطى كانت ركيزة صعود الحريرية خصوصا في المدن، وهي فئات جذبتها شعارات العمران البراقة ووعود الرخاء وفرص العمل لكنها صدمت بالنتائج بعد ربع قرن، بفعل تبني المستقبل لنهج اقتصادي اجتماعي متوحش تمثله أفكار الرئيس فؤاد السنيورة الذي خاض معركة منع تعديل سلسلة الرواتب وقاوم بشدة أي إصلاح اقتصادي اجتماعي بينما يحمل المستقبل سياسيا في نظر هذه الشرائح المتعلمة والمتنورة مسؤولية مركزية عن واقع تعفن المؤسسات وعن ازمات كبرى هزت المجتمع كأزمة النفايات وبكل ما احاط بها من فضائح ، مما يجعل التيار مسؤولا عن طحن الفئات الوسطى وقتل آمالها الليبرالية وهو استهلك انتظارها الطويل لقيام دولة حديثة مما دفع تلك الفئات إلى التمايز عن المستقبل وهو ما عبرت عنه ظاهرة «بيروت مدينتي» في انتخابات بلدية العاصمة وفيها حريريون متطرفون من حيث الانتماء السياسي لكنهم أرادوا إيصال صرخة احتجاج عالية على قيادة خذلتهم.
لكل تلك الأسباب وسواها الكثير، سيكون الشيخ سعد امام خيارين، فإما الخضوع لمناوئيه والرضوخ لتوازن جديد في حزبه يتحكم به الخارجون على زعامته، أو تآكل تلك الزعامة بفعل العجز عن الانتقال إلى توجه سياسي جديد يقوم على الفرز الصارم ضد التطرف والتعصب والانفتاح على القوى الداعية للإصلاح الاقتصادي الاجتماعي داخل المستقبل وخارجه ومراجعة اخطائه السياسية الفادحة خلال السنوات الماضية لا سيما في العلاقة مع حزب الله والموقف من سورية، وهذا مستحيل التحقق بدون التحرر من الأفكار المسبقة الرافضة للتغيير ومن غير التخلي عن بديهية التماس الرضى السعودي قبل أي شيء بدلا من الاحتكام إلى المصلحة اللبنانية التي تقاس عليها سائر الأمور.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News