تنفرج أسارير البحر كلما تشتد أزمات الداخل، مشكلة تحت الأفق الأزرق مساحة متفلتة من المشهد الرمادي المزمن بعوارض دوار وأصوات فراغية وسجالات تبدو عقيمة من حيث التخويف والترهيب وأبجديات التعطيل واللف والدوران.
لكن البحر ملجأ، ومعه اعتاد اللبناني أن يفتح دفاتره، يجادله بالآتي وبالحاضر. وكلما ضاقت الصدور، تراه يلملم أحواله ومنشفة البحر وصنداله ونرجيلة معسّلة. يفردهم جميعاً على الرمال الدافئة، وفي رهانه إما أن تنضج التجربة أو أن يلقي بها لمشاعات الأرض التي تسأل عن المزيد.
ولا يفوته، اللبناني السابح مع الأمواج مداً وجزراً، والعنيد في مقارعتها، أن يصرّح للرمال عن أمنيات تبدأ بخربشات وبصدفة تحفر وتهندس في الأرض الحدود والسيادة والحياة الكريمة. وحين يلوذ بالصمت، يغمض عينيه ممدداً على أسرّة بيضاء بلاستيكية. ينام ويحلم بوطن ليس فيه خسائر مفجعة ولا تنازلات ولا تهديدات يومية من مثل التي تبدأ بلقمة العيش ولا تنتهي في السياسة.
وعلى ضحكات أطفاله يفيق، ومثلهم يطيّر طائرة من ورق، يظل يلاحقها في ارتفاعها العمودي إلى حين تتماهى خلف طائرة مزدحمة بالأبناء العائدين، أولئك الذين كلما تغربوا عرفوا قيمة الأوطان، وهم يلاقونها بالشغف نفسه إلى صفحة المياه التي تعبرها ظلال الطائرة العملاقة. ومن الأعلى يحسدون كل متحرك على الشواطئ وفي المنتجعات وفي بالهم يسترجعون تركة البلد في ذاكرتهم: لبنان براً وبحراً وجواً بلد صاخب يشبه نبض شواطئه، وأبداً لا يشبه الحزن الدفين في عيون أم ثكلى خسائرها مفتوحة على الجبهات.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News