المحلية

ناصر شرارة

ناصر شرارة

الجمهورية
الاثنين 22 آب 2016 - 07:08 الجمهورية
ناصر شرارة

ناصر شرارة

الجمهورية

زيارة شكري للبنان: ما هو أبعد من المبادرة

زيارة شكري للبنان: ما هو أبعد من المبادرة

لم يعُد خافياً أنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري لم يحمل معه إلى لبنان أيّ مبادرة معيّنة لحلّ الأزمة الرئاسية.لكنّ الزيارة، كما خططت لها القاهرة، تضمّنت فكرة سياسية تجاه بلد الأرز؛ مكوَّنة من ثلاثة عناصر:

ـ العنصر الأوّل، إعادة التواصل العربي مع لبنان، لأنه منذ أكثر من عامين لم يزُر بيروت أيّ مسؤول عربي رفيع من الدول الناجية من اضطرابات «الربيع العربي».

ـ العنصر الثاني، رغبة القاهرة بإظهار اهتمامها بالملفّ اللبناني وفي الوقت نفسه محاولة حضّ القوى اللبنانية على تحريك المياه السياسية اللبنانية الراكدة.

ـ العنصر الثالث، ينطوي على مؤشّر عملي إلى حدّ ما، وهو انّ شكري جاء ممثلاً لأعلى سلطة مصرية (الرئيس عبد الفتّاح السيسي) ليستكشف آفاقَ الحلول للأزمة اللبنانية. وهنا تنصح دوائر قريبة من التفكير المصري بأن لا يتمّ أخذ مصطلح استكشاف سياسي بحِرفية مفهومه التقليدي؛ فالقاهرة لديها تراثُها في العمل السياسي الخارجي.

وبحسب طريقة مصر في العمل السياسي؛ فإنّ إرسال شكري الى لبنان يريد تركَ انطباعين لدى لبنان وكلّ قواه السياسية؛ يفيد أوّلهما أنّ أيّ تحرّك مصري مقبل، بغضّ النظر عن الجهة المصرية التي ستنفّذه - وقد تكون جهة تنفيذية - لاختراق شلل الأزمة اللبنانية، يجب النظر إليه في لبنان بصفته أنّه استكمال لزيارة شكري، وبأنّه يَحظى بغطاء المنظومة الخارجية السياسية المصرية العليا (رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية). بهذا المعنى فإنّ زيارة شكري تريد تأمين غطاء سياسي طويل المدى لجهد مصري سيستمرّ وراء الكواليس بأدوات تنفيذية مختلفة وغايتُه مواكبة التطوّرات الداخلية والاقليمية، بغية اقتناص فرصة التقدّم بمبادرة في الوقت المناسب.

والانطباع الثاني الذي تريد القاهرة تركَه في لبنان بعد زيارة شكري أبلغَ الأخيرُ مضمونَه علناً للشخصيات اللبنانية التي التقاها، ومفادُه استمرار التواصل بينها وبين القاهرة عبر قنوات مختلفة بغية إرساء إسهام مشترك ومستدام لتجاوز أزمات لبنان الساخنة، وبينها شغور رئاسة الجمهورية. ويلفت مطّلعون على السياسة المصرية الخارجية الى انّ القاهرة باشرَت خلال الأشهر القليلة الماضية إعادة هيكلةٍ لدورها السياسي في دول المشرق العربي.

وضمن جهد إعادة رسم تجسيد هيكلية سياسة مصر الخارجية في المشرق، تأتي زيارة شكري للبنان لتقول إنّ مصر معنية بعلاقة متفاعلة معه، وإنّها تملأ الفراغ العربي فيه وغير موافقة على استمرار مشهد يوحي وكأنّ هناك لا مبالاة عربية بلبنان.

ولكن ضمن مشهد الحضور المصري الذي بدأ عودةً تدريجية الى المشرق، تَبرز ثغرة انعدامِ العلاقة المصرية مع إيران؛ وهذه الاخيرة، وإنْ كانت دولةً غيرَ مشرقية عربية، إلّا أنّها تملك نفوذاً ملحوظاً فيه، ولا يمكن تجاوزه، ويشكّل الاعتراف به حاجةً برغماتية لمصر إنْ أرادت تحضير سياستها الخارجية لإنجاز وساطة في لبنان لحلّ أزماته الداخلية. وكون إيران ايضاً هي الطرف المقابل للسعودية والذي يتحتّم الاتّصال به لإنتاج أيّ اتفاق اقليمي في شأن لبنان، فإنّ انعدام علاقة القاهرة بها يطرح سؤالاً عن إمكانية مصر لعب دورِ الوسيط في الأزمات اللبنانية.

وتعتقد القاهرة أنّه يمكنها التحدّث مع حزب الله لتعويض عدم وجود علاقة لها بإيران. وبخصوص هذه الجزئية تتوقّف مصادر قريبة من القاهرة عند واقع انّ العلاقة المصرية بـ«الحزب» لا تعاني من مشكلات، فالقاهرة حرصَت على التواصل به كلّما ظهر أنّ هناك حاجة لذلك.

يبقى في النهاية أنّ القاهرة تستند في رهانها على دور مقبل لها للتوسّط في لبنان، على تجربة عملية نفّذتها قبل نحو عامين، أدّت الى إنتاج حلّ لأزمة دار الإفتاء اللبنانية وانتخاب مفتى جديد له. وضمن هذه الوساطة أجرت مصر اتّصالات غير مباشرة على مدى أربعة أشهر شَملت دمشق والرياض، وقد أثمرَت عن إقناعهما بتحييد هذه القضية عن خلافاتهما، والمساهمة في حلّها لمصلحة تقوية الاعتدال السنّي في لبنان، وقطعِ الطريق على إمكانية استغلال الجماعات التكفيرية للشلل السائد في دار الإفتاء من أجل التوسّع أكثر في لبنان.

وتعتبر مصر نجاحَ مبادرتها في دار الفتوى بمثابة دليل على فعالية دورها كطرف وسطي ويتحرّك من خارج نزاع المحاور الاقليمية الحادة، وقادر بالتالي على تدوير زوايا خلافات الإقليميين في لبنان المطلوب فصلُ أزماته عن أزمات المنطقة المستعصية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة