مختارات

الثلاثاء 23 آب 2016 - 07:02 السفير

المستفيدون من الكوارث

المستفيدون من الكوارث

ـ 1 تتحدث صحف العالم عن «بطل لامبيدوزا الصغير..». أو أحمد الصبي المصري ابن الـ13 عاما الذي خاض رحلة هجرة من دون أوراق رسمية، الى سواحل ايطاليا، بحثا عن طريقة لإنقاذ شقيقه (7 سنوات) من مرض «نقص الصفائح الدموية».

لم تذكر الصحف اسم عائلة «البطل المصري»، لكنها نقلة في النظر الى المهاجر الذي تلصق به صفة «غير الشرعي..» الذي تطارده السلطات المحلية والدولية (وتجهز له قطعاً بحرية أكثر شراسة)..

النقلة هنا تجعل من عابر المتوسط مقاتلا من أجل الحياة، وليس مجرد ضحية النظام الصحي في دولته، كما ان الدولة ارتبكت وكان ردها عبر تصريحات وزراء الصحة والخارجية ما معناه: «...لماذا لم يتواصل معنا...؟».

الدولة التي فاجأتها بطولة «أحمد»، لم تشعر بالحرج، واستخدمت أسلوبا قديما: «شعبي وأنا حر فيها».. أو «لماذا فضحتنا؟..»، بينما كانت رحلة الإنقاذ كاشفة عن الجانب المعتم في العلاقة مع دولة تستقيل من مهامها تجاه قطاعات عريضة من الناس بينما تتحول الى رهينة في يد «مجموعات صغيرة» تملك السلطة والثروة والسلاح.
وعي المهاجر الصغير، كشف له أنه لن يستطيع علاج شقيقه بإمكاناته، فهو مطرود من رعاية الدولة رغم إعلانها كل يوم انها ترعى «محدودي الدخل والفقراء...» وغيرها من التسميات الودودة للمحرومين من فرص الحياة.

وعندما واجهت الدولة أزمة (هي التي صنعتها) لم يمنعها ذلك من شراء الأسلحة (مصر أكثر دولة اشترت أسلحة في العام 2015) بينما قصقصت من ميزانية التعليم والصحة.
أحمد كان يعلم أن «الموت» ينتظر شقيقه اذا انتظر فرصة من دولته. بينما الدولة تعمل بكل وعيها لتتخذ من أزماتها فرصة للتخلص من الأعباء... وإنقاذ «شطارها» من الحبايب والمحاسيب.

ـ 2 ـ لا أحد يعرف لماذا تذكر الرئيس السيسي «انتفاضة الخبز» في خطابه عن الأزمة الاقتصادية المستحكمة.
اعتبر السيسي أن تظاهرات الغضب في كانون الثاني (يناير) 1977 ضد قرارات أنور السادات بزيادة الأسعار، هي أول عراقيل وضعها الشعب في وجه سياسة الإصلاح الاقتصادي.
هذا التذكر لا يكشف عن «ساداتية» السيسي، كما أن إجراءات اخرى لا تثبت «ناصريته»، لكنه عقل «السلطة» الذي يحتقر تعبير الناس عن الغضب، وفي الوقت نفسه تحميل القطاعات الأفقر فاتورة الأزمات.
ولهذا تنتشر في رسائل البروباغندا دعوات التقشف (...الى درجة أن أحد المذيعين القريبين من الرئاسة قال إن المصريين ينعمون الآن بما لم يحلم به هارون الرشيد..).
والى هذا الاتجاه تنتمي دعوة الرئيس السيسي عموم المصريين (وغالبيتهم من الفقراء) الى الوقوف بجوار «مصر..» في أزمتها، ويخص بالذكر النساء (اللواتي يتحمل 23 في المئة منهن مسؤولية إعالة عائلات هرب رجالها..).

هذه الدعوة ليست غريبة، فالأزمات الاقتصادية في مصر هي فرصة للدولة للتخلص من أعباء قدمتها في مرحلة «الرشوة»، وهي المرحلة التي تتراكم فيها ثروات جديدة عند «شطار» يدافعون عنها بكل ما تملك الدولة من أدوات صنع «الرعب...».
الدولة ثابتة في اعتمادها على الرشوة والرعب، وترى في «النيوليبرالية» التي بشر بها مبارك (عبر ابنه) حلاً للأزمات، وهو ما يعني ببساطة أن الفقراء سيتحملون آثار السياسات الفاشلة وسيدفعون فواتيرها ايضا.

وهذا يؤكد من جديد تقييم البنك الدولي الذي وضع مصر ضمن قوائم ما أسماه «الدولة الرهينة»، وهو مصطلح يصف نوعا من الدول رهينة شركاتها. تتحكم شبكة هذه الشركات في مفاتيح الحكم والسلطة، من مركز اتخاذ القرار الى بنية المؤسسات، والأهم في منظومة العدالة (التشريع بالأساس).
البنك الدولي وهو إحدى المنظومات المحافظة في حماية الماكينة الرأسمالية، ينتقد سياسات عدم المساواة معتبرا أن الدولة بوقوعها رهينة هذه الشركات «تعيق التوظيف وحل مشكلة البطالة» ...وتضرب مثلا بمصر حيث الدولة رهينة 496 شركة تملكها 32 عائلة فقط تقيم في «محميات سياسية».. حصلت على تصاريح ثروات بسبب قربها من النظام الجديد، وحاصرت السلطة باحتكارها لفرص البرلمان أو تداول السلطة (قبل سقوط مبارك)، لتمنع إمكانية إعادة توزيع الدخل لتحقيق قدر اكبر من المساواة (هي التي يدافع عنها البنك الدولي باعتبارها شرط تحقيق معدلات نمو..).

ـ 3 ـ وهذه إشارة خطر الى أن الدولة (بعد سقوط مبارك وانتصار نخبته البيروقراطية بمقدمتها العسكرية في المعركة مع الإخوان على إحكام القبضة على الدولة)... فشلت في وضع سياسات جديدة تمكنها من استيعاب طاقات معطلة ومطرودة (متجسدة في كتل البطالة التي تتضخم بمعدلات رهيبة، ودخول طاقات مبتكرة في مجال الأعمال الى سوق يعاد احتكاره بالطريقة القديمة نفسها)، وهو الفشل الذي يدفع بها الى حماية ذاتها من افتراس الرأسمالية المتوحشة (التي منحتها تراخيص التوحش)... تلك الحماية تأتي بمزيد من حصار المجتمع ليصبح «رهينة» في يد نخبة الدولة التي هي رهينة الشركات المتوحشة... وهذه دائرة كابوسية لأنها تفقد السيسي، بعد عام واحد فقط من توليه الرئاسة، أدوات كان مبارك يسيطر بها على «المتحالفين» معه... وتحول التحالف الى «صراع على التوحش...».
... وهذا ما يجعلنا نفكر في تأثير الأزمات على نظام السيسي؟

السيسي قادر على اتخاذ إجراءات كان مبارك يتردد في اتخاذها، وهذه علامته الكبرى، فهو استطاع إلغاء الدعم ورفع الأسعار، بل إنه يحاول في المستحيل أن يحصل على «قرض صندوق النقد الدولي» (12 مليار دولار على 3 سنوات) مصحوبا بالتأييد الشعبي.
ورغم أن الأزمة تؤثر على شعبية السيسي، إلا أن الكلام عن مساهمتها في سقوط نظامه، لا يمكن التعامل معها بمستوى اليقين، لان الأزمات يمكن أن تكون «فرصة جيدة» تستفيد منها أطراف تدعم السيسي أو تريده «ضعيفاً».

الأزمة الاقتصادية في مصر فرصة لأصحاب الثروات الكبيرة، أو من يملكون أموالا سائلة، وهؤلاء سيبحثون بعد درس كانون الثاني (يناير) 2011 عن حماية مكاسبهم المالية بكتلة سياسية ستبحث لها عن ممثل في السلطة ...فمن سيكون؟

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة