تتحطم الفانتازيا سريعا هذه الأيام.
لم يكن أحد يتوقع أن يذهب اردوغان الى خصومه بصفقة أو تحالف بعيد عن حلم "الخليفة المودرن" أو "فتوّة السنّة الديموقراطي"... وكذلك كان صادما التبخر السريع للزخم الذي قفز بالسيسي الى وضع "البطل المنتظر" مكللا بجماهيرية سبقت وصوله للحكم (وهو ما لم يحدث في تاريخ الدولة الحديثة ولا في عز دولة الزعيم وجماهيره)...
كلاهما الآن في وضع بعيد عن فانتازيته. يبحث عن طريق لإنقاذ حكمه بمفاجآت ليس بعيدا عنها تقارب وشيك بين القاهرة واسطنبول بعد جولات من "عنف الخصومة..".
هذا لا ينفي أن كلا منهما ايضا لا يخفي أنه يجمع مفاتيح دولته في يد "المركز الصلب" الذي يثق به:
حزب الحرية والعدالة يسيطر الآن على أجهزة الدولة التركية في كل المجالات بعد عملية التطهير التالية لفشل الانقلاب العسكري.
المؤسسة العسكرية ابتلعت دور القطاع العام اقتصاديا في مصر وهو ما لم يعد سراً أو رهن تقارير مؤسسات دولية، لكنه واقع تشكو منه أصوات المستثمرين من احتكار أنشطة اقتصادية من المقاولات الى الأغذية وصولا الى الإعلام والتعليم.
حركة الاستحواذ على الدولة بدأت كعملية حصد ناعمة لحفاظ اردوغان على مستوى تقدمه في المنافسات على الصندوق، وكمكافأة على انتصار المؤسسة العسكرية في استعادتها لمفاتيح الدولة من الإخوان ومن نظام مبارك معا.
لكن الاستحواذ الآن يتم بمنطق "الدفاع" عن مواقع السلطة... بعدما تآكلت الفانتازيا التي تمركزت حول اردوغان (ديموقراطية إسلامية /حديثة) والسيسي (بطل الدولة ومخلصها).
كلاهما الآن أمام "واقعية جديدة" تخص الاستمرار في الحكم... ولم يعد سرا في مصر الحديث عن محاولة حلفاء الخليج تجهيز بديل للسيسي، كما أن استمرار اردوغان أصبح رهن صفقته مع بشار الأسد.
الانتقال ليس سهلا من "البطولة" الى "الأزمة"
هذا المسار التراجيدي قد ينقلب ميلودراميا اذا لم يضف عناصر جديدة الى «اللعبة» التي لا يديرها أحد بعد انسحاب واشنطن من الاهتمام المركز بالمنطقة.... هكذا مثلا لم يعد خبر اللقاء المرتقب بين محمود عباس ونتنياهو بترتيب روسي ورعاية مصرية يثير حتى الاستياء، بل ان غياب الرئيس في لبنان خرج من ثنائية: العجز والكارثة الى الاعتياد على المقعد الفارغ. كما أن بشار وسوريا انفصلا كما لم يحدث في عز ثنائية الثورة /الحرب الأهلية وأصبح المستقبل رهن أطراف ليس من بينها سوريا ولا حاكمها... العراق كذلك لم يعد يتذكر فانتازيا ما بعد صدام في ظل تطاحن طائفي وتقلب المصير بين السعودية وإيران... حتى فانتازيا فرعية مثل "الإسلام الوسطي" في مقابل "داعشية" متوغلة لم تصمد طويلا أمام تحديات معارك إثبات الوجود التي جعلت مؤسسات الدين الرسمية تقاتل دفاعا عن السلطة التي تمنحها أحقية قتل خصومها.
لم يعد باقيا سوى الدفاع عن "البقاء" في مواجهة موت يومي في مدن الحرب، أو في التحايل على الجوع والانهيار الاجتماعي في مدن تنتظر الحرب...
الفانتازيا تقتل..
هذا اكتشاف متأخر بأن تغطية الأوضاع غير العادلة بصيغ لها هذا الحس الفانتازي، لن يستمر إلا بنوع من فرض هذه الفانتازيا بنوع من قوة الاحتياج الى توافق ما بعد العنف...
ولأن هذه التوافقات تنتهي الآن، ليس من هنا فقط، بل من العالم كله، فإننا أمام عملية تحطيم الفانتازيات كلها، بما في ذلك تلك التي صنعت قوة دافعة لدولة مثل أميركا، التي دفعتها فانتازيا التعايش في الستينيات الى مصاف جديد من التأثير في العالم، لكنها الآن تعاني من انتهاء"صلاحية" الفانتازيا والعودة الى فقرات السيرك المتوحش...
نعم لقد ظهر ترامب كمرشح لرئاسة أميركا...
وفي الوقت نفسه ظهر على الشاشات المصرية شاب مصري يقدم نفسه بتعريف: أنا رئيس الحزب النازي المصري.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News