راجت في الآونة الأخيرة تحليلات تفيد بأن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بصدد اتخاذ قرار الخروج من الحياة السياسية. يدافع أصحاب هذه التحليلات عن وجهة نظرهم وبالتأكيد على عمق الأزمة المالية التي يعاني منها الحريري وعلى ما يعتبرونه فتورا للعلاقة بينه وبين المملكة العربية السعودية. يضاف إلى ذلك بروز شخصيات سنية قد تكون أكثر قدرة على الاستجابة لطبيعة المرحلة والانسجام مع تحول السعودية إلى دولة ميالة إلى المواجهة.
يؤكد هؤلاء أن الأزمة التي تعصف بشركة سعودي أوجيه والتي يتوقع أن تسفر عن خسارة الآلاف من العمال اللبنانيين فيها لوظائفهم، وإجراءات إعادة الهيكلة التي تجري في كل المؤسسات التابعة لتيار المستقبل من شأنها أن تتسبب بتقليص كبير في شعبية الحريري وحضوره السياسي. كذلك لم يعد خطاب الاعتدال الذي ينادي به يلاقي أصداء إيجابية في الوسط السني، وبات، في ظل التحولات الكبرى والمتسارعة في المنطقة، والتي تفرض تأثيرات كبيرة على لبنان، نوعا من الترف السياسي الذي لا محل له على أرض الواقع.
وكان سعد الحريري قد غاب عن البلاد إثر تهديدات أمنية جدية. وقد أسست فترة غيابه، التي تعد طويلة جدا قياسا إلى تسارع التطورات وكثافة التحولات، لحالة من الترهل السياسي والفساد في مؤسساته.
لم تنجح عودة زعيم تيار المستقبل في إعادة الزخم المطلوب إلى تياره ومؤسساته التي تنتظر ما سيسفر عنه المؤتمر التنظيمي العام المقرر في شهر أكتوبر القادم من نتائج.وقد عمد خصوم الحريري، وعلى رأسهم حزب الله، على الاستفادة من عدم ملاءمة فكرة الاعتدال التي لازال الحريري يصر عليها مع تحولات الميادين الملتهبة في سوريا بشكل خاص، والتي ينظر إليها قسم كبير من السنة في لبنان بوصفها حربا على السنة.
ومؤخرا نشر تقرير لوكالة رويترز يفيد بأن قيمة المبالغ المالية العائدة للحريري عند الحكومة السعودية تبلغ ثمانية مليارات دولار، وأن قيمة الديون الواجب سدادها للبنوك السعودية وقيمة تعويضات العمال والرواتب المتأخرة تبلغ خمسة مليارات دولار. هذا يعني أنه يتبقى للحريري حوالي ثلاثة مليارات دولار في حال تم دفع المبالغ بالكامل. ذكر التقرير كذلك أن المصارف المدينة لشركة سعودي أوجيه التي يملكها الحريري تتجه إلى الموافقة على إعادة جدولة ديونها. ويعني كل هذا أن الترويج لنهاية سعد الحريري انطلاقا من الأزمة المالية ليس صحيحا.
يعاني الحريري من أزمة سيولة وهو ليس على وشك الإفلاس كما يروّج خصومه، بل إن ما يتبقّى له من أموال بعد سداد كافة الديون والرواتب المتأخرة يفوق ما كان قد ورثه من والده رفيق الحريري بأكثر من مليار دولار. هذا يعني أن ثروة الحريري بصدد النمو ولكن المشكلة ترتبط بالإجراءات المالية السعودية، وبالزيادة الكبيرة في حجم الإنفاق الذي ضغط بقوة على موازنتها التي عانت من عجز كبير دون أن يعني ذلك وجود أزمة عميقة وحادة وتنذر بسقوط الاقتصاد السعودي وانهياره. ما ينطبق على الاقتصاد السعودي يمكن تعميمه على أزمة الحريري، وتاليا هناك جمود ما وليس إفلاسا.
من هنا قد يبدو استخدام العنوان المالي لدعم التحليلات التي تؤكد قرب خروج الحريري من الحياة السياسية غير دقيق. وقد يكون نمو حالة التطرف في لبنان والمنطقة واحدا من العوامل المؤثرة على مسيرة الحريري ودوره، وخصوصا في هذه المرحلة التي تشهد صعودا كبيرا لمنطق التطرف في كل العالم.
وقد يكون أثر هذا العامل على حياة الحريري السياسية كبيرا ولكن وكما يشير محللون، فإن أثره لا يمكن أن يكون كبيرا سوى على المدى القريب، بينما سيكون التأثير معكوسا على المدى المستقبلي البعيد. يعمد هؤلاء إلى تبرير وجهة نظرهم معتبرين أن مرحلة التصعيد الكبير التي تسود في المنطقة ليست سوى مقدمة تمهد الأجواء للتفاوض والتسويات الكبرى، حيث يعمد كل طرف حاليا إلى انتزاع مكاسب على الأرض لتحسين وضعه التفاوضي.
كل هذا يعني أن المستقبل لن يكون للتطرف ولا لممثليه. وسيكون الحريري حاجة ضرورية لمرحلة التسويات، ومنطق الاعتدال الذي ينادي به، وإن كان يبدو فاقدا للزخم السياسي والشعبي حاليا، فإنه سيكون منطقا لا غنى عنه في المرحلة القادمة في ظل التسويات التي لن يكون للتطرف موقع فيها.
عوامل عديدة متناقضة تجعل من احتمال خروج سعد الحريري من الحياة السياسية موضوعا افتراضيا غير محسوم. توجد بعض الظروف التي تجعله احتمالا واقعيا وممكنا، ولكنّ ظروفا مغايرة تجعله احتمالا بعيدا وغير منسجم مع واقع الحال.
ويعتبر النائب عن تيار المستقبل كاظم الخير أن موضوع خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية هو "موضوع غير مطروح، فالرئيس الحريري قوة موجودة على الأرض ولن يقبل على الإطلاق بالتنازل عن وجوده وثوابته وما يمثله". مضيفاً "هذا السيناريو هو مجرد سيناريو افتراضي وليس واردا، وإذا كانت حجة القائلين به تقوم على تأويل تداعيات الأزمة المالية فإننا نعتبر أن حجتهم واهية، لأن العالم كله يمر بأزمة مالية وهي تشمل كل الأحزاب، وخصوصا حزب الله، الذي يعاني من أزمة كبيرة جراء مشاركته في الحرب السورية، والتدفق اليومي لجثث مقاتليه وما يترتب عن ذلك من تعويضات".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News