إنتهى مؤتمرا نيويورك للاجئين بفشل ذريع كان متوقعاً. صرخ الرئيس تمام سلام باسم لبنان: «نحن بلد معرَّض للانهيار». تبادل الذين في القاعة نظرات الأسف والاستغراب، وكأنهم اكتشفوا البارود. فهل كان أحد منهم تنقصه المعلومات عن أنّ لبنان سينهار تحت ثقّالة النازحين؟
بعض العائدين من نيويورك يصفون ما جرى فيها بـ"الكرنفال" الذي ارتدى فيه الكثيرون أقنعة. فالذين أبدوا التعاطف مع سلام، بعد إلقائه كلمته، من أوروبيين وعرب، هم أنفسهم الذين يقومون بالضغط المتواصل على لبنان منذ سنوات لكي يستوعب النازحين، ويعمدون إلى ابتزازه بالمساعدات.
المشهد الحقيقي، "من فوق"، خلال مؤتمري نيويورك للاجئين، كان الآتي: «الكرنفال» الخطابي كان «ماشياً» هناك، فيما كانت تدور أحداث «كرنفال» آخر أكثر واقعية هنا، في دوحة عرمون، بعد صربا- جونية.
فالنازحون السوريون قدّموا في عرمون النماذج الأولى من أحداث ستأتي، كما سبق للنازحين الفلسطينيين أن فعلوا قبلهم بعشرات السنين، إلى أن استقلّوا اليوم بالجزر الأمنية المدجّجة بالسلاح والمالكة قرارها العسكري والأمني والسياسي.
ومن علامات الخطر في ملف النزوح أنّ الاشتباك اللبناني - السوري قائم. فملفات المواجهة في عرسال والقاع ومخطوفي الجيش والقوى الأمنية هي ملفات لبنانية - سورية في شكل من الأشكال، وكذلك هي الحرب التي يخوضها «حزب الله» في الداخل السوري. وهذه العلامات قد تتكفَّل بإشعال فتنة لبنانية - سورية على أرض لبنان، يكون النازحون أدوات فيها وضحايا.
وتحذّر مرجعيات خبيرة بالأمن من مواجهة سورية - سورية في لبنان، بين النازحين الموالين للرئيس بشّار الأسد والمعارضين له، يتورّط فيها لبنانيون في مقلب الموالاة والمعارضة، فيتحوّل الاشتباك لبنانياً - سورياً شاملاً وقد يتخذ طابعاً مذهبياً. واشتباك عرمون المسلّح جَرت فيه مواجهة بين سوريين ولبنانيين هنا في مقابل سوريين ولبنانيين هناك.
إذاً، الاستحقاق يقترب وسط عجز رسمي لبناني يذكّر بالعجز في ملف النازحين الفلسطينيين. وبعيداً عن الكلام الملتبس - على الطريقة اللبنانية - والمزايدات السخيفة، إنّ الذين يقودون حملة التحذير من المخاطر الكيانية للنزوح هم المسيحيون في الدرجة الأولى. وهؤلاء يتعرّضون للاتهام بالعنصرية، كما تعرّضوا للتهمة إيّاها عندما واجهوا تجاوزات النزوح الفلسطيني.
لكنّ أصواتاً سنّية تعترف اليوم بخطأ المراهنة على الفلسطينيين في اللعبة اللبنانية الداخلية، كما يعترف المسيحيون بخطأ المراهنة يوماً على إسرائيل. وقد يأتي اليوم الذي يُسمَع فيه صوت الشيعة يعترفون بخطأ المراهنة على إيران. لكنّ هذه الاعترافات تأتي دوماً متأخرة، وبعد دفع الأثمان الباهظة.
سيقود فشل لبنان الرسمي في نيويورك إلى تأكيد الاقتناع بأنّ أحداً في العالم ليس مستعدّاً لمساعدة لبنان في ملفات النزوح، وأنّ كل طرف إقليمي ودولي يبحث عن إنقاذ رأسه أولاً، ولو على حساب لبنان.
وهذا ما يجعل اللبنانيين أمام تحدّي الاتفاق على موقف واحد، واضح وصادق، في ملف النزوح السوري والفلسطيني، لئلّا تنجح المخططات الآيلة إلى جعل لعبة النزوح والنازحين جزءاً من مشهد الكيانات المنهارة في الشرق الأوسط، ومنها لبنان. فهل يتحقّق اتفاق اللبنانيين قبل فوات الأوان؟.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News