تحوّلت المؤتمرات والطاولات التي تعقد في طرابلس تحت عنوان «مكافحة الفقر» إلى «لزوم ما لا يلزم». فهي تبقى أسيرة التنظير والمزايدات، وتكتفي بعرض الواقع الطرابلسي المأزوم الذي يكمل خط سيره الانحداري نحو المجهول منذ سنوات، من دون أن يجد المنظمون والمشاركون أيّ حلول أو معالجات، بناءً على خطط علمية مدروسة بشأن كيفية الاستفادة من مرافق ومقدرات المدينة في مواجهة الفقر الذي يلتهم طبقات المجتمع.
وباتت الوظيفة الأساسية لهذه المؤتمرات هي الكشف عن النسب التي بلغها الفقر المتنامي في طرابلس، وعن حجم الأزمات المعيشية والاجتماعية والصحّية والإنسانية فيها، انطلاقاً من الدراسات التي «تتكرم» المؤسسات الدولية بتمويلها دورياً للتأكد من «حفاظ العاصمة الثانية على تصنيفها الدولي، المستقرّ على درجة أفقر مدينة على ساحل المتوسط».
واللافت أنّ المسؤولين السياسيين الذين يتصدرون المشاركين في مؤتمرات مكافحة الفقر لمناقشة الواقع والحلول، يتنافسون بـ»الشكي والنعي». فيتقاذفون المسؤوليات، ويسعون إلى تسجيل النقاط بعضهم على بعض، ويضاعفون من منسوب اليأس المتدفق في المدينة، بدل تقديمهم خطة للإنماء قابلة للتنفيذ وممارستهم الضغط على الدولة لصرف الأموال اللازمة لها.
بالأمس، اجتمعت قيادات طرابلس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبلدية والمدنية في نقابة المهندسين وبدعوة منها، حول طاولة مستديرة لدراسة السبل الكفيلة بـ»مكافحة الفقر في طرابلس»، حيث قدّم كل من السياسيين رؤيته للوضع القائم وكيفية الخروج من الأزمة.
وإذا كان منظمو الطاولة انطلقوا من حرصهم وبذلوا جهداً في التحضير لها على مدار أشهر، فإن نتائجها لم ترتق إلى مستوى الأزمة، ولم تطرح أي حلول عملانية لكيفية مكافحة الفقر الذي أظهرت الدراسات الجديدة أنه تجاوز الـ 67% من العائلات، أو الحدّ من البطالة 40% بين الشباب والرجال التي تؤدي إلى ارتفاع نسب الفقر، أو من التسرب المدرسي الذي تبلغ نسبته الإجمالية 58% ويصل في المناطق الشعبية إلى 87%.
أما المداخلات التي قدمها السياسيون فلم تتجاوز حدود التنظير في مكافحة الفقر، ولم تخرج من «الأنا» حيث عرض كل منهم «إنجازاته» في هذا المجال، التي دحضتها الأرقام المعلنة عن الفقر. ولم تخلُ الطاولة من المناكفات السياسية والمزايدات التي حاول البعض الغلوّ فيها كسباً لتصفيق الجمهور.
ولعلّ ما عرضه المشرف العامّ على «جمعية العزم والسعادة» الدكتور عبد الإله ميقاتي، في ورقته من تقديمات للجمعية على مختلف الصعد التنموية والتعليمية والصحّية والاجتماعية وغيرها، يظهر بوضوح أن المدينة تحتاج إلى الدولة بكل مؤسساتها. وهذا ما أعلنه ميقاتي، أنّ الجمعية لا تستطيع أن تحلّ مكان الدولة لكنها تقوم بما أمكن، مقترحاً العودة إلى الدراسة التي أعدّتها شركة عالمية لمصلحة مكتب «نواب التضامن الطرابلسي» الذي أُنشئ غداة انتخابات 2009، وتتضمن كل المشاريع القادرة على النهوض بطرابلس، والعمل على تجزئتها والبدء بتنفيذها تباعاً بمشاركة كل السياسيين بدون استثناء.
فيما كانت الدولة الغائب الأبرز عن هذه الطاولة. برغم الدعوات الأفقية التي وجهتها اللجنة المنظّمة. ولكن عنوان «مكافحة الفقر في طرابلس» لم يجذب مؤسساتها الفاعلة. فغاب محافظ الشمال، وكذلك الوزارات المعنية، ومسؤولو مجلس الإنماء والإعمار المشرف على أكثرية مشاريع المدينة، وسائر المؤسسات الحيوية من طاقة ومياه وأشغال وصحّة وتربية وصناعة واقتصاد.
فيما حضر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس كأحد أبناء طرابلس، وقدم جردة بما قامت به وزارته في هذا المجال. وحضر وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي، الذي طرح مشروع تأهيل منطقة الغرباء. وعرض النائب سمير الجسر تجربة جمعية «يداً بيد» التي أسسها في التبانة للتخفيف من حدّة الفقر، ودعا رئيس غرفة التجارة توفيق دبوسي إلى الاستفادة من قدرات طرابلس الهائلة.
أما الإيجابية الوحيدة فكانت في ختام الجلسات، حيث غمز النائب سمير الجسر من قناة الوزير أشرف ريفي على صعيد حماية بعض المخالفات ونشر صوره في المدينة، فدعا ريفي رئيس البلدية أحمد قمر الدين إلى إزالة صوره وعدم التهاون في أي مخالفة من دون أن تُترجم حتى الساعة.
وتمنى ريفي على نقيب المهندسين ماريوس بعيني دعوة القيادات السياسية إلى طاولة ينتج عنها ميثاق شرف يقضي بتحييد وفصل الإنماء عن السياسة، وقد لاقى هذا الاقتراح موافقة السياسيين المشاركين، ليباشر بعيني التحضير لهذه الدعوة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News