لم تغب الادارات الاميركية المتعاقبة سواء كانت ديموقراطية او جمهورية عن لبنان منذ ما بعد الاستقلال وافول الدور الفرنسي الاساسي عنه مع رحيل الانتداب والتأثير البريطاني الضعيف، اذ دخلت الولايات المتحدة الاميركية اليه، لتملأ فراغا اوروبيا الذي اصبح ملحقا لسياستها، وبرز دورها في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عندما انحاز رئىس الجمهورية آنذاك كميل شمعون الى مشروع الرئىس الاميركي دوايت ايزنهاور في محاربة الشيوعية وحلف بغداد في مواجهة المد القومي العربي الذي كان رمزه الرئيس المصري جمال عبد الناصر ونشأ بوجهه «حلف بغداد» الذي ضم تركيا وايران والعراق الملكي.
فمنذ ستة عقود، والدور الاميركي متقدم في لبنان فهو كان يصنع او شريكا في صنع رؤساء الجمهورية، منذ انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئىسا للجمهورية، من خلال اتفاق اميركي - مصري، بين الرئىس عبد الناصر والمبعوث الاميركي ريتشارد مورفي، وما بعده ليتغير الشريك او الوكليل العربي.
ليبقى الثابت الاميركي الذي شارك الاسرائيلي في وصول بشير الجميل ثم شقيقه امين بعد اغتياله.
فالدور الاميركي حجب ادوارا اخرى تقول مصادر ديبلوماسية ضليعة في ملف العلاقات الاميركية - اللبنانية، حيث تجلى في احداث عدة اذ كان المسبب بإشعال الحرب الاهلية في لبنان، عبر مهندسها وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنيجر في السبعينات، الذي كشفت الوثائق والتقارير عن تسليح ميليشيات الكتائب والاحرار وغيرها من التنظيمات لمواجهة الوجود الفلسطيني المسلح، لمنع حق العودة للفلسطينيين، والاشتغال على العامل الطائفي، اذ حضر المبعوث الاميركي دين براون الى لبنان، وعرض على القيادات المسيحية، نقل المسيحيين الى خارجه، فتم رفض مشروعه من قبل الرئيس سليمان فرنجية.
ففي كل سياستها تجاه لبنان، كانت اميركا عاملا سلبيا فيه، لجهة تحقيق «امن اسرائىل» وهو عنوان ثابت في السياسة الخارجية الاميركية تقول المصادر والتي تسببت باعتداءات اسرائيلية دائمة على لبنان، منذ العام 1968 ولم تكن واشنطن الى جانبه وكان تستخدم «الفيتو» في مجلس الامن الدولي في اي قرار يدين العدو الاسرائىلي الذي نظمت له اجتياح للجنوب في العام 1978 تحت اسم «عملية الليطاني» ولم تضغط على «اسرائيل» لتطبيق القرار 425 ثم اعقب ذلك غزو لبنان في 5 حزيران من العام 1982 تحت شعار «سلامة الجليل» بقرار من الرئيس الاميركي رونالد ريغان الذي ساند العدوان الصهيوني، لطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وفرض حل سلمي للصراع العربي - الاسرائىلي في مصلحة الدولة العبرية.
وفي كل ادوارها في لبنان كانت اميركا تريده منفذا لسياستها وحافظا لامن اسرائىل، وان لا يكون مقرا لنشاط يساري او قومي، وقد سعت لعدم اصلاح النظام السياسي في لبنان وتطويره، فكانت ترى ان تطبيق البرنامج الاصلاحي للحركة الوطنية اللبنانية، هو تمهيد لتكريس الوجود السوفياتي في لبنان، اثناء الحرب الباردة بين القطبين العالميين، وقد سخّرت انظمة عربية قومية وتقدمية ورجعية، لمنع اي انتصار للحركة الوطنية في اثناء ما سمي «حرب السنتين» تذكر المصادر التي تشير الى القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في 2 ايلول 2004 الذي طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان، ونزع سلاح المقاومة الذي شنت «اسرائىل» عدوانين مباشرين في تموز عام 1993 ونيسان 1996 والهدف واحد تصفية المقاومة في لبنان والذي حاولت تنفيذ مخططها عبر القرار 1559 ولما فشلت لجأت الى عدوان تموز 2006 بعد تحرير الجنوب في ايار عام 2000 دون قيد ا وشرط وبهزيمة سجلت للاحتلال الاسرائىلي الذي انسحب مع عملائه من «ميليشيا لحد» تحت جنح الظلام ليأتي صمود المقاومة في 2006 وردها العسكري المتوازن على العدوان الاسرائىلي وانهزامه بعد 33 يوما ليسقط مشروع «الشرق الاوسط الجديد» الذي حاول صاحبه الرئىس الاميركي جورج بوش الابن تطبيقه في لبنان عبر «ثورة الارز» ليمتد الى المنطقة.
ففي كل سنوات التدخل الاميركي في لبنان كانت الهزيمة لمشاريعه، منذ الانزال الاميركي في العام 1958 الى حضور قوات «المارينز» عام 1982 عبر متعددة الجنسيات حيث تم تفجير مقرات هذه القوات والسفارة الاميركية، فاصبح لبنان بالنسبة للادارة الاميركية بلداً معادياً، وكما سماه وزير الخارجية جورج شولتز «كرنينا»، فيه الوباء، وابتعدت اميركا عنه بسحب قواتها.
لذلك فان فوز الجمهوري دونالد ترامب، سيترك سؤالاً حول دور ادارته فيما خص لبنان، الذي لم يأت على ذكره كثيراً في خطبه ومقابلاته، الا انه مع الرؤساء الجمهوريين، حصلت الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، منذ ايام الرئيس رونالد ريغان، الى جورج بوش الاب والابن، دون ان يعني ان الديموقراطيين كانوا ضدها، تقول المصادر، لكن ترامب المعروف بولائه الفكري والسياسي الى الصهيونية، قد لا يمانع في حرب اسرائيلية ثالثة على لبنان، اذا ما اندفعت الحكومة الاسرائيلية نحوها، حيث يكثر الحديث عنها في دوائر القرار الصهيوني، وتحليل ومواقف الخبراء.
وان ما هو ايجابي اميركيا، هو ان ادارة الرئيس باراك اوباما، اعطت اهتماماً بالجيش فزادت من تسليحه وتدريبه لمحاربة الارهاب، لا سيما في السنوات الخمس الاخيرة، وبعد اندلاع الازمة السورية، ومن ضمن برنامج محدود، اذ كانت الادارات الاميركية على مدى عقود، ترفض تسليح الجيش بالمعدات المتطورة لا سيما الدفاعية منها، كي لا تقع في يد «حزب الله»، الذي لديه مصادر تسليح باتت اسرائيل تخشى القدرات العسكرية التي وصل اليها، وتقدر امتلاكه نحو 150 الف صاروخ، منها بعيدة المدى، وان باستطاعة المقاومة اطلاق 1200 صاروخ يومياً اذا ما وقعت الحرب، مما يضع الجيش في مرتبة متأخرة تسليحياً، اذ تقبل تزويده بسلاح لحرب شوارع داخلية، وتريده ان يتحضر لمواجهة مع «حزب الله» وقد سعت اليها مرات عدة، الا ان عقيدة الجيش، التي ارساها اتفاق الطائف، وتبني مقولة الجيش والشعب والمقاومة، هو من افشل المخطط الاميركي الذي كان يراد له ان ينفذ من خلال القرار 1559، وقبله بارسال الجيش الى الجنوب عام 1993، لكن قائد الجيش العماد اميل لحود، رفض ذلك، وارسى سياسة منع زج الجيش بمواجهة اهله ومجتمعه والمقاومة.
فلا ينتظر اللبنانيون من الرئيس الاميركي الجديد وادارته ما يفيدهم، فهم انتخبوا رئيس جمهوريتهم، بتراجع التأثير الاميركي خصوصاً والخارجي عموماً، وكل ما يطلبونه هو استمرار القرار الدولي بتحييد لبنان عن حرائق المنطقة والمحافظة على الاستقرار فيه، اذ لم تقدم اميركا اي دعم مالي واقتصادي للبنان، بل فرضت قوانين مالية ضد مواطنيه، ومنعت دولاً من تقديم مساعدات له، اذا لم يتخلى عن المقاومة فيه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News