كثيرون في هذا العالم، وبينهم الانكليزي ديفيد هيرست، استغربوا كيف ان الزلزال السوري لم يسحق لبنان واللبنانيين، حتى ان الهزات الارتدادية، وبعضها اتى صارخاً، بقيت تحت السيطرة...
اي اعجوبة فعلت هذا؟ سأل هيرست. لبنان كان غابة من عيدان الثقاب ولايزال. وزير الخارجية الفرنسية السابق ايرفيه دوشاريت والذي كان له دوره في اتفاق نيسان 1996، نصحنا غداة حرب تموز 1996 بألانسند رؤوسنا الى الرؤوس الاميركية...
طريف كان تشبيهه انذاك «كما لو انكم تسندون رؤوسكم الى رؤوس راقصي الروك اندرول». لطالما تحدث زبغنيو بريجنسكي، في انتقاده للتقاطع العشوائي في شخصية جورج ديبلو بوشس بين الايديولوجي والاستراتيجي، عن... الرؤوس الرقصة.
بريجنسكي لاحظ، والكرة الارضية تدور، والازمنة تدور، ان من يقيم في البيت الابيض عليه ان يكون نبياً، لا مشعوذاً، ولا راقصاً، ولا حتى راعياً للبقر لان المسافة محدودة جداً بين طلقة البندقية والقنبلة النووية...
الان، وفي ذروة الصراع حول المقاعد في قانون الانتخاب، لفتنا قول نائب ان «حزب الله» يعرقل التوافق على القانون لـ«حسابات اقليمية».
المرحلة من الدقة والتعقيد بحيث لا مجال لاطلاق المواقف، والكلمات على عواهنها. لا ريب ان للحزب مرجعيته، ورؤيته، وحتى قوته الاقليمية، وهذا ما يعتبره مسألة تلقائية، وحتمية، حين تكون المواحهة مع اسرائيل، ولكن اي حسابات اقليمية حين يتعلق الامر بقانون الانتخاب؟..
من لا يدري ان الكلام عن هيمنة طائفة على الطوائف الاخرى في لبنان هو من قبيل البروباغندا البائسة. هذا بلد فسيفساتي، ويحكم بالفديرالية
غير المعلنة, او بالفديرالية العمودية لا الافقية، ولا يمكن لاي سلطة ان تستقيم، حتى ولو كانت بأسنان نووية، الا من خلال خارطة التوازنات اياها...
وقيل ان مصطلح «الالتباس الخلاق» الذي اطلقه هنري كيسنجر لا ينطبق على اي حالة في العالم الا على الحالة اللبنانية. لاحظوا الالتباس في نصوص الطائف، وفي دستور الجمهورية الثانية، وفي المعادلات، وفي العلاقات، وحتى في الصراعات...
اذا كان لـ «حزب الله» حساباته الاقليمية في قانون الانتخاب، فهذا يعني ان للافرقاء الاخرين حساباتهم الاقليمية ايضاً، وهذا ما يدخل في اساسيات العقل السياسي اللبناني...
الثابت هنا ان الجنرال ميشال عون لم يكافح للوصول الى قصر بعبدا من اجل ان يحمل لقب «صاحب الفخامة»، بكل الضجيج العثماني لهذا اللقب. جاء من اجل بناء لبنان الاخر، لا لبنان اللوياجيرغا، ولا لبنان المزرعة، ولا لبنان المغارة...
قال انه يريد قانوناً للانتخاب يعبر عن الوجه الحضاري، والتاريخي، للبنان. خطير جداً ان نتحدث في هذا الوقت بالذات عن «الحسابات الاقليمية» في حين ان التجاذب واضح حول المقاعد بين شيوخ القبائل وشيوخ الطرق في لبنان...
لن ندخل في التفاصيل، لكن التركيبات التي تعرض تظهر الى اي مدى بلغ بنا الابتذال السياسي، والدستوري، والطائفي، ما دمنا لا نفرق بين البعد الاخلاقي للتسوية والبعد الاخلاقي للصفقة التي غالباً ما تكون الاخر للفضيحة...
اذاً، لتدع «الحسابات الاقليمية» جانباً. لا أحد يستطيع ان يأكل احداً في لبنان. الطبقة السياسية هي التي تأكل الجميع. وتعليقنا على كلام النائب جاء في ضوء ما تناهى الينا من ان قطبا سياسيا ابلغ الذين حوله، نقلاً عن الذين فوقه، ان ساعة «حزب الله» قد دقت. والقطب الذي يعتبر ان الرئيس سعد الحريري مضى بعيداً في «الانهزامية»، يتحدث عن تفاعلات اقليمية حساسة جداً، وفي ضوء التناغم الشخصي والاستراتيجي بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو....
في نظره بعد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، سيأتي، حتماً، دور «حزب الله» في سوريا والعراق. القضاء على دور ايران في المنطقة يكون في هذين البلدين، اين لبنان في هذه الحال؟ واي تداعيات اذا كانت تلك هي الخطة التي يتحدث عنها القطب السياسي الذي يؤكد على «انقلاب دراماتيكي» في العلاقات والمعادلات الاقليمية...
دعودته الى «الرفاق» ان يعرفوا كيف يديرون اللعبة السياسية، والاعلامية، الداخلية ببراعة. بالبراعة اياها التي ظهرت عام 2006 وأكثر. هذا زمن المصائب الكبرى و....... الحماقات الكبرى!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News