المحلية

placeholder

انطون الخوري حرب

ليبانون ديبايت
الاثنين 27 شباط 2017 - 14:09 ليبانون ديبايت
placeholder

انطون الخوري حرب

ليبانون ديبايت

الموازنة تحاكم العهد

الموازنة تحاكم العهد

انطوان الخوري حرب - "ليبانون ديبايت":

خلافا لكل التوقعات، اختلطت حسابات العهد الرئاسي الجديد واختلفت توقعاته واولوياته. ففي حين كان الرئيس العماد ميشال عون يريد ان تكون الانتخابات النيابية هي الانطلاقة الفعلية لعهده، حيث كلما كانت هذه الانطلاقة قوية، كان نجاحها اضمن، اصبحت الموازنة العامة هي المفصل لا بل المحكمة التي ستحكم على مستقبل هذا العهد. لقد نجح الاعلام بجذب اهتمام المواطنين الى ما يقال عن الموازنة، من باب الضرائب التي ستلقى على كاهلهم كمكلفين، واصبح الراي العام متفاعل بشكل قوي مع المواقف الدائرة حولها، كما بات جاهزاً لاطلاق حكمه على العهد العوني في بداية انطلاقته.

يحتار فريق رئيس الجمهورية بين خيارين لا ثالث لهما، خيار زيادة الانفاق العام لتحفيز المؤسسات الرسمية على المزيد من الانتاجية الادارية، اضافة الى تحديث الادارة بشكل عام. وخيار عدم قدرة الاقتصاد اللبناني ككل والذي تجسده الموازنة العامة بشكل او بآخر، على تحمل هذا العبئ الذي سيتم تمويله عبر زيادة الضرائب على المكلفين، مما يتسبب بالاستياء الشعبي العام. وعلى وقع هذا الهدف المركزي للفريق الرئاسي، تجري المفاوضات مع اركان الحكم حول مجمل بنود الموازنة. وترتسم في هذه الاجواء هوة كبيرة بين طموح رئيس الجمهورية بتحقيق الانجازات الكبيرة، والذي لا يشاركه فيه شركاء عهده، وبين واقع الازمة لمالية الذي يرثه هذا العهد من العهود السابقة. لكن الطموح الرئاسي يتضائل على وقع الارقام، ذلك ان المساحة المفترضة للانفاق على الانجازات من مجمل اعتمادات الموازنة ضيقة اصلا، حيث ان الرواتب تحتل نسبة 35% منها، وخدمة الدين (الفوائد) تحتل نسبة 30%، اضافة الى عجز قطاع الكهرباء البالغ 9%، وفي حال اقرار الموازنة وضمنها ىبند زيادة الرواتب وفق المستويات العالية التي يتطلع اليها فريق الرئيس، سترتفع نسبة الانفاق على الرواتب الى 37% ، فيتبقى حوالي نسبة 13% للانفاق على الانماء. وهذا رقم يستحيل معه تحقيق الطموحات الرئاسية بالانجازات التاريخية.

اما اذا خضع الفريق الرئاسي لمطلب الفريق المطالب بتخفيض نسبة الانفاق العام، فان ذلك سيؤدي الى تقليص نسبة كبيرة من وظائف القطاع العام، الامر الذي سيجد صدى مؤذ لحزب الرئيس انتخابيا، في ظل الازمة المعيشية الخانقة والانكماش الاقتصادي الغير مسبوق. وفي كل الاحوال سيتم تحميل العهد مسؤولية استمرار الازمة المعيشية التي يشكل تدني الرواتب الرسمية احد وجوهها وسببا اساسيا لاستشراء الفساد والعجز الاداريين. واذا رفض الفريق الرئاسي مطلب تخفيض النفقات سيتحمل مسؤولية عدم تحقيق الانجازات الموعودة.

بجانب هذه الدوامة التي تدور حول الطموحات الرئاسية والضرورات الاقتصادية في موازنة الدولة، تسير عقبات كبرى في وجه المعالجات الاقتصادية والادارية الرئاسية المنشودة، اولها قطع الحساب المغيب عن مبلغ ال11 مليار دولار التي انفقت في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي تشكل ثقباً بنيوياً استنزافيا قاتلاً لكل الخطط المستقبلية لاي موازنة، كما يرتب مفاعيل قضائية وعقوبات جزائية لتحريم المس بالمال العام دون محاسبة. الى ذلك يشكل موضوع الهدر في مراكز معروفة للدولة والمثبت بتقارير رسمية صادرة عن الهيئات الرقابية، ومنها دوائر الجمارك والمرافئ واالصناديق الملحقة بالمرجعيات الحكومية والتي تتلقى منها اوامر الانفاق، تصل نسبة الهدر فيها الى 7% من المال المُجبى من المواطنين.

لكن الطامة الكبرى في "منازعات" وضع الموازنة هي في بندي الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب، فبعد موقف رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل حول حق المعلمين والعسكريين بالسلسلة، وعدم موافقته على مطلب الهيئات النقابية بادراجها في بنود الموازنة، عاد ووافق على ادراجها ضمن خانة احتياط الموازنة كنفقات غير متوقعة، مما اثار ريبة النقابيين وقلقهم على ثبات حقوقهم الكاملة دون اي تنازل عن اي مطلب سابق.

ويستلزم تحقيق طموح رئيس الجمهورية بجعل عهده عهدا للانقاذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حافزاً وطنياً وشعبياً عارماً لكون الازمة المعيشية تطال كل المواطنين ولا سيما فئات الدخل المحدود، والجهوزية الشعبية لتلبية هذا الحافز متوفرة بفعل النقمة العامة على الازمة. هكذا قضية تكون برسم التعميم والتصدّر لكل الاولويات ومن المستحيل على اهل الحكم تجاوزها، لذلك فهي تؤمن فرصة للاجماع الوطني على الهدف الانقاذي. وتصبح الموازنة بحد ذاتها عبارة عن الرافعة التي ستقود البلد الى برّ الامان الاجتماعي والاقتصادي.

وعلى قاعدة ان الرخاء الاقتصادي يؤدي الى المزيد من الاستقرار السياسي والامني، تنعكس هذه الحالة حكماً على البعد الخارجي اللبناني والاجنبي، وتصبح فاعلية الدولة في علاقاتها الاستقطابية الخارجية عالية على صعيد استقطاب الدول المانحة والرساميل والاستثمارات وربطها بالاقتصاد الوطني. باختصار يتطلب نجاح دور الدولة المالي في عهد الرئيس عون، حركة ديناميكية في المجتمع تقوم على النخب الفاعلة في النضال لتحرير الشعب من سطوة الدولة على حقوقه المالية واستعباد تعبه من دون اي مقابل، سوى اثراء الفاسدين المتسلطين من ماله وشقاه، ولتحرير الدولة من الفساد المالي التاريخي والذي هو اكبر وابشع انواع الفساد.

هذه الحركة النخبوية النضالية الانقاذية كان من المفترض ان يقوم بها التيار الوطني الحر لكونه حزب الرئيس ويجب ان يكون مسؤولا عن انجاح عهده، لكن في غياب العصب التغييري الذي نجح هذا التيار بجعله منهج صموده في الزمن الصعب، لا يبدو انه مؤهل ليس للنجاح في مثل هذه المهمة الوطنية التاريخية فحسب، بل لمجرد الاهتمام بهذه الامور.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة