ليبانون ديبايت - انطون الخوري حرب
يتخبّط اهالي وسط البترون بمشاكلهم البيئية التي تصيب منطقتهم رغم ارادتهم، لكنها تصلهم عبر النفوذ السياسي والمصالح الشخصية والانتخابية، كما عبر انقساماتهم التي يذكيها الفاعلون السياسيون بتحريضهم على بعضهم البعض تثبيتاً لقاعدة فرّق تسد.
تعتبر بلدة حلتا البترونية الوادعة نموذجاً للقرى المحافظة على بيئتها الطبيعية من خلال حرص ابنائها على عدم الحاق اي ضرر بهذه البيئة جراء استقدام مشاريع تتسبب بالتلوث وتشويه الطبيعة. لكن ما لم يكن في حساب هؤلاء الاهالي هو تداخل مصالح سياسيي المنطقة مع مصالح البعض من ابناء البلدة، على حساب بيئتها السليمة والاغلبية الساحقة من ابنائها.
فوفقاً للقرار رقم 22/1 الصادر عن وزير البيئة بتاريخ 24/2/1998 فان المنطقة المذكورة هي من المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة. لكن هذا القرار الذي اراح الاهالي وابعد عنهم كابوس التلوث والطبيعة المشوهة، لم يردع المعنيين عن مخالفته والتدخل لمنح احد ابناء بلدة كفرعبيدا وهو انطوان الفغالي، رخصة لبناء مجبل للاسمنت على عدة عقارات كان قد تملكها لهذه الغاية.اضافة الى ترخيص لمقلع وكسّارة موزاييك مما دفع به الى اقتناء كسّارة خاصة بالموزاييك، سرعان ما استبدلها بكسارتين روتاري فور حصوله على الترخيص المذكور. وبعد ذلك استحصل الفغالي سرّاً وبدون علم الاهالي بحسب موجبات نص القانون، على تصنيف فئة ثانية لبلدة حلتا بموجب قرار المجلس الاعلى للتنظيم المدني الرقم 29، مما دفع بوزير الداخلية للايعاز الى قائمقام البترون لفتح تحقيق في هذا الملف. لكن مفاجئآت الفغالي لم تتوقف عند هذا الحد، فهوعاد وحصل الفغالي على مهلة ادارية لاقامة مجبل اسمنت واسفلت وفقاً لمعلومات خاطئة ارفقها بمستدات ضمّت الى ملف الطلب وقدمت الى وزارة الصناعة، لكن التدقيق في الملف دفع الوزير الى الغائها فوراً. ولكن رغم ذلك فان الفغالي لم يوقف محاولاته التي تجددت اربع مرات، بغية اعادة تصنيف حلتا منطقة صناعية فئة ثانية، لكن هذه المحاولات اصطدمت باربع قرارات للتنظيم المدني اكدت ان حلتا فئة رابعة وخامسة. لكن الفغالي لم يستكينى او يرضخ عند هذا الحد، فاستانف محاولاته مستنداً الى دعم جهات سياسية بترونية فاعلة، فاسفرت عن حصوله على ترخيص بالمجبل متجاهلاً قرارات التنظيم المدني ، مما حدا بوزير الصناعة الى اعادة الغاء الترخيص المذكور. وبالموازاة، اقدم على حفر بئر ارتوازية دون ترخيص، الامر الذي دفع بوزيرين للطاقة ليأمرا بوقف اعمال الحفر وختم ذاك البئر بالشمع الاحمر لتكرار المخالفة. لكن الفغالي عمد الى تشغيل المجبل بصورة غير قانونية استدعت تنظيم محاضر ضبط من قبل القوى الامنية ادت الى ختم المجبل بالشمع الاحمر. (كتاب موجه من حركة الانماء الانساني الى وزير البيئة بتاريخ 11/11/2016).
خلال هذه المرحلة وجه رؤساء بلديات المجدل وكفرحي وبقسميا ومخاتير حلتا وكفرحي وكفرشليمان وداعل وعورا كتاباً الى وزارة الطاقة مناشدين اياها عدم السماح بحفر بئر ارتوازية غير مرخصة، وكتاب مماثل الى وزير الصناعة يناشده التدخل لعدم منح الفغالي الترخيص لبناء مجبل الاسمنت في حلتا، اضافة الى كتاب آخر موجه الى البطريرك الماروني بشارة الراعي للغاية نفسها.
الامر المستغرب في كل هذه القضية ان السيد الفغالي لا يزال يحاول تشغيل مشاريعه متسلحاً بدعم من فاعليات المنطقة. فتشكلت الوفود الشعبية من ابناء حلتا وجالت على نواب المنطقة وعلى راعي الابرشية المطران منير خيرلله والوزير جبران باسيل. وكانوا جميعهم الى جانب مطالب الاهالي المحقة. لكن هذا الواقع لم يستمر طويلا حيث انه بمقابل تمسك النائب بطرس حرب بموقفه الداعم لابناء حلتا وجوارها، وكذلك موقف النائب انطوان زهرا، فان موقف المطران خيرلله بات يتسم بالحياد الى حد ما. اما موقف الوزير باسيل فقد تبدّل جذرياً. وبعد ان كان سابقا يستفيض في شرح اضرار المجبل امام الوفود التي طالبته بدعم مطالبهم، مشدداً على التأثير الخطير الذي يسببه صحياً للرئة، وزراعياً لمواسم الزيتون والعنب، ومستحلفاً الحضور ومن بينهم مختار حلتا للتصدي للمجبل ومواجهة داعميه، لكن الوزير الاصلاحي عاد ودافع عن المجبل اثناء استقباله الاخير لوفد حلتا والجوار، حيث روى احد اعضاء الوفد ان دفاع باسيل عن المجبل كان اشد من دفاع الفغالي نفسه عن عنه، ضارباً الامثال عن عدم تاثير المجبل على الصحة والزراعة. وهذا الدفاع الباسيلي المستجد عن المجبل دفع بالسيدة ريتا الياس للقول للوزير:" لن تحصل على اصواتنا في الانتخابات النيابية ولا تنتظر ان نفتح لك بيوتنا ونستقبلك فيها لاننا لن ندع موقفك السلبي المنقلب على مواقفك السابقة يمر مرور الكرام. سنحاسبك في صناديق الاقتراع." لكن جواب باسيل على كلام السيدة الياس لم يكن ايجابياً حيث انه اجاب بالقول :" طالما انك ترين هذا فليكن كذلك. اصلا انا حلتا والوسط مش حاسبهم من حصتي بالانتخابات" فاجابته الياس " لكن كل واحد من الموجودين هنا يمثل عشرة اصوات بالحد الادنى" فقال لها باسيل " اضربيهم ب100 كمان"
لا يعتبر عضو آخر في الوفد هو ميشال لاوون الحويك كلام باسيل مفيداً انتخابياً على عتبة الانتخابات النيابية التي لن يطول كثيراً امد اجرائها وفقاُ للمعطيات السياسية الحالية، وليس باسيل ممن يهملون استحقاقاً لطالما انتظر موعده. ولكن موقفه الداعم لاهالي حلتا البترونية في قضية المجبل والمنطقة الصناعية، كان منطلقه لاظهارلجعل سلوكه علميا ومنطقياً وانسانيا، كما كان لديه من الحرص ما يكفي لتظهير صورته كرجل دولة، لكن يبدو ان حساباته ليست مرتبطة شرطياً بمطالب ناخبيه، حيث توقعوا ان يقوم كناشط نخبوي بارشادهم نحو المطالبة العلمية حتى لو لم تكن صالحة لتوظيفها انتخابيا، اوغير ذات جدوى مالياً. كما كان عليه برأيهم ان يقود معاركهم في وجه من يعتدي على حقوقهم العامة منها والخاصة. وهو كقيادي سياسي من واجبه مواجهة ناخبيه بالحقائق الدامغة وليس محاباتهم حينا ومنافرتهم احياناً وفقاً لمزاجيته او مصالحه.
من الثابت ان موقف باسيل من قضية مجبل حلتا اضرّ به انتخابياً بسبب تناقضه الفاضح بين فينة واخرى، ولو كان موقفه السلبي الاخير من مطالب الاهالي هو نفسه موقفه من البداية، لكانت تأثيراته السلبية ضئيلة بسبب احترام الناس لصدقية السياسيين التي اصبحت نادرة هذه الايام، اما ان يكون يوماً معهم ويوما آخر مع خصمهم، فهذا ما لا يحتمله ابناء حلتا خاصة وناخبو البترون عامة. اما الاكيد والمؤكد في هذا الامر فهو ان هذه المسالة الخلافية بين جبران باسيل وابناء حلتا وجوارها سيرخي بثقله كاملا على الانتخابات المقبلة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News