"ليبانون ديبايت - انطوان الخوري حرب"
قد يهيّئ لمراقبي الحركة السياسية المتمحورة حول قانون جديد للانتخابات النيابية، انكباب الاطراف الاساسيين في السلطة على البحث الجدي الهادف للتوصل الى مثل هذا القانون.
وفي خضم الطروحات والاقتراحات المتبادلة، تضيع المعايير التمثيلية التي من المفترض ان تصب بمجملها حول صحة التمثيل، او ديموقراطية التمثيل، كشعارات برّاقة يتبارى سياسيونا في طرحها امام الراي العام، كل على طريقته.
وقد يتراءى للبعض ايضا، عبر التركيز على مغازلة المواطنين بالنسبية، ان السياسيين مهتمين للغاية بحق هؤلاء المواطنين بالتمثل في البرلمان رغم كونهم من خارج الاطر الحزبية او الزعامتية المهيمنة على المؤسسات الدستورية بشكل عام. فخطابات السياسيين تترجم اعترافهم بوجود الاكثرية الشعبية المستقلة وغير المتحزبة، والتي تشكل مادة جوهرية للاستقطاب الانتخابي، كما تترجم سعيهم للنجاح في طرح عناوين كبيرة (النسبية) بما يضمن نجاح هذا الاستقطاب.
ولكن هذه الشعارات البراقة، تحمل في طياتها خطة خبيثة لمنع اي تغيير انتخابي محتمل. وعلى الطريقة اللبنانية في المعادلات المزيفة، يسمّي احد الناشطين جداً في طرح القوانين الانتخابية هذه المعادلة بالمعايرة:"Dosage ". كما يتلازم شعار المعايرة لدى ذاك الناشط مع شعار ارضاء الجميع وعدم الغاء احد.
تدرّجت المواقف كما تدرجت الطروحات من ثوابت الى ثوابت اخرى الى اخرى مختلفة بحسب سير المفاوضات. كما بات الارتكاز على قاعدة محددة لاقتراح القوانين متقلب الى حد الانقلاب.
فرئيس الجمهورية تمسك بدايةً بالنسبية الشاملة، مفتتحاً حملة وطنية تحاكي تطلعات المجتمع والنخب المهمشة بفعل القوانين السابقة، وحاشداً الدعم الشعبي المطلق لطرحه، ومفضلاً الفراغ النيابي على اعتماد قانون انتخابي غير نسبي.
لكن الموقف الرئاسي تحوّل تدريجياً من حملة وطنية تجييشية، الى موقف مبدئي بعد تصريح الرئيس الاخير حول تفضيله النسبية الكاملة مع قبوله بنصف نسبية وفق ما جاء في طرح القانون المختلط.
اما التيار الوطني الحر فلم يجاري الرئيس اصلا في طرح النسبية الكاملة، ولم يتمسك بقانون محدد رغم تقديمه العديد من اقتراحات القوانين، حرصاً منه على ارضاء القوات اللبنانية التي رفضت طرح النسبية الكاملة.
اما الدكتور سمير جعجع الذي التزم الموقف الجنبلاطي الرافض للنسبية، فقد عاد ليقبل البحث بالقانون المختلط، جاذباً اليه التأييد الجنبلاطي المستجد.
اما تيار المستقبل فقد تدرّج ايضا من التمسك بالقانون الاكثري، مروراً بالقبول بالقانون المختلط وصولا الى قبول النسبية الكاملة.
لكن موقف الثنائي الشيعي، امل حزب لله، فقد بقي الموقف الاكثر ثباتا ووضوحاً من بين سائر المواقف، فهو انطلق ولا يزال على قاعدة التمسك بالنسبية الكاملة، مع ابداء مرونة عالية بالنسبة الى تقسيم الدوائر، بالتلازم مع تباين واضح بينهما من حيث تمسك حزب لله بالدائرة الواحدة وتقبّل حركة امل للدوائر المتعددة.
وفي ظل احتساب عدد المقاعد النيابية التي يؤمنها كل اقتراح للقانون الانتخابي، يهيمن معيار ارضاء الجميع وعدم الغاء احد على الطروحات الانتخابية كافة، وهذا ما يعني بعبارة اوضح بقاء المجلسي النيابي كما ما هو لناحية الحصص والاحجام، مع احتمال تغيير بعض الاسماء.
وهكذا يُصار الى ارضاء المجتمع المدني بشيئ من النسبية الوهمية من جهة، والى الحفاظ على خارطة البرلمان مع زيادة طفيفة على بعض الكتل المسيحية من جهة ثانية.
وهكذا يكون مبدا عدم الغاء احد قد ادى دوره لجهة منع التغيير، كما يكون مبدأ ارضاء الجميع قد استولد قانوناً انتخابياً هجيناً موهماً الراي العام بالتغيير، وحامياً للاحجام الشعبية المصطنعة لواضعيه.
يتخذ عهد الرئيس العماد ميشال عون شيئاً فشيئا طابعاً واقعيا متماهياً مع حسابات شركاء العهد في المؤسسات الدستورية.
وبذلك تكون واقعية هذه الانطلاقة المامول منها كثيراً مشابهة للتركيبة السياسية القائمة بمكوناتها التقليدية المعهودة، والتي لا تتشارك معه تطلعاته حتى لو لم تكن متناقضة مع تطلعاتهم.
فرئيس العهد يهوى لعب الادوار التاريخية الكبيرة ، ولا يتقبل ان يمر عهده من دون ترك اي اثر تغييري. لكن سائر اللاعبين اعتادوا على ادارة مصالحهم السياسية والشخصية من خلال المواقع الرسمية، ولا تتطلب مثل هذه الادارة لعب ادوار كبيرة.
كما ان جلهم ينطلق من الواقعية السياسية حيث ان الوطن بالنسبة اليهم محدود بجغرافيته وديموغرافيته وقلة موارده، وموقعه الشرق اوسطي بمحاذاة اسرائيل وسوريا يفرض عليه التدخلات الخارجية التي اصبح جزأً منها وامتداداً لها الى درجة التكامل العضوي معها.
اما الرئيس فقد اعتاد التغريد خارج السرب الذي يقف اليوم على رأسه، هو لا يزال يامل بانطلاقة قوية لعهده الرئاسي، وبعد تمييع قانون الانتخابات، ثم اهمال الانتخابات تحت شعار التمديد التقني. وبين هذا التمييع وذلك الاهمال، يتضائل التفاؤل بالعهد الجديد.
ففي علم السياسة السلطة تستهلك عادة التأييد الشعبي، فهل تدفع شعبية الرئيس ومعها التفاؤل اللبناني العام بالعهد، الامور نحو انطلاقة رئاسية قوية موعودة، ام ينتهي هذا التفاؤل قبل صياح الديك؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News