بلغت الأزمة السياسية أوجها على خلفية تخلّف قوى رئيسية عن تسهيل ولادة قانون جديد للإنتخاب، نتيجة حسابات مرتبطة برغبة سلطوية غير مسبوقة في الحفاظ على مكتسبات انتخابية – سياسية، ومنع تحقيق التغيير الذي يرمي اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والذي تراه القوتان المسيحيتان الوازنتان أساسا لتحقيق العدالة في التمثيل وتصحيح ما شاب المسار السياسي الحاكم منذ العام ١٩٩٠ من إقصاء وتمييز.
إرتصفت القوتان المسيحيتان بصلابة، فور تبلغهما الدعوة الى الجلسة التشريعية المخصصة غدا لإقرار الاقتراح القانون المقدّم من النائب نقولا فتوش للتمديد مرة ثالثة لمجلس العام ٢٠٠٩، فيما رئيس الجمهورية عازم على حجب التمديد بكل ما توافر من وسائل دستورية في حال لم يأتِ في متن القانون الجديد للإنتخاب، أو في أضعف الإيمان أن يقترن بأفكار صلبة لقانون عتيد معطوفة على إعلان نوايا تلتزم بموجبه كل القوى السياسية إصدار القانون العتيد بموجب ما يكون قد اتُّفق عليه من أفكار.
أولى الخطوات المتوقعة مسيحيا، اللقاء الذي يجمع في بكركي اليوم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بقيادتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، والذي من المقرر أن يطلق شرارة الاعتراض على ما قرره التحالف الرباعي من تمديد متفلّت من أي ضوابط، في استعادة للتمديدين السابقين اللذين جاءا استثنائيين في الشكل، إنما بأغراض واضحة رافضة لأي تغيير أو تصحيح، وهي الأفكار ذاتها التي لا تزال سارية المفعول لدى التمديديين أنفسهم. وكان التبرير في الحالين هو نفسه، مرتبط بعدم توافر الظروف السياسية والأمنية لإجراء الانتخابات، ومعطوف على عنوان واحد وهو إقرار قانون جديد للانتخاب، علما أن رئاسة المجلس النيابي التزمت في المرتين، وخصوصا عند التمديد الثاني، أن يكون القانون الانتخابي الجديد الشغل الشاغل للبرلمان والعنوان الأساس والوحيد الذي لا يتقدمه أي عنوان آخر.
وصار واضحا لدى القوتين المسيحيتين أن أي تهاون راهن سيؤسس لتكرار التمديدين السابقين، إما ربطا بعدم التوافق على القانون الجديد، وإما عطفا على «ظروف استثنائية ما» جاهزةٍ تبريرا وتعليلا (في السياسة وربما في الأمن)، لا تحقق ظروف إجراء الانتخابات في موعدها.
منذ بعد ظهر أمس، تكثف التنسيق بين القوتين لمواجهة التمديد القهري، وبلغ مداه في اللقاء الذي جمع رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل والنائبين إبراهيم كنعان وألان عون بنائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني ووزير الإعلام ملحم رياشي، واستمر ليلا بلقاءات بعيدة من الأضواء على المستوى القيادي، كما على المستوى الشبابي – الطالبي، لترتيب الخطوات اللازمة لتحقيق مواجهة ناجحة للتمديد، على أن يكون التنسيق قائما مع المجتمع الأهلي والبلدي وكل راغب في إنجاح هذه المواجهة.
ويتطلع قياديون مسيحيون بريبة الى الصمت الذي يعمّ البعثات الديبلوماسية، وخصوصا الغربية منها ومجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان وبعثة الأمم المتحدة، التي ما فتئت تكرر في العامين الفائتين اهمية احترام المهل المحدِّدة للاستحقاقات الديمقراطية، في حين انها تتلكأ منذ اكثر من أسبوعين عن معارضة الإخلال بكل ما نادت به من أولوية مطلقة في تداول السلطة، وهو العنوان الجامع لدى اللبنانيين.
وثمة اتجاه لدى القوتين المسيحيتين للتوجّه صوب البعثات الديبلوماسية، من جهة بغية شرح وجهة نظرهما من مخاطر التمديد على الاستقرار الذي تحرص عليه دول القرار، ومن جهة أخرى لتذكير هذه البعثات بمواقفها السابقة، وبالمواثيق الدولية الناظمة للحقوق الإنسانية ولا سيما الإعلان الدولي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والتي تجمع على أن حرية التعبير إحدى الحريات الأساسية.
ولا يسقط القائمون على المسار التصعيدي الحاد هذا، إمكان أن يخرج تيار «المستقبل» و«حزب الله» من هذه الحلقة المفرغة، بحيث يصلان في مسعاهما مع رئيس المجلس الى إتفاق على الإستمهال، وتاليا إرجاء جلسة التمديد الذي يُقرأ مسيحيا على أنه سيف مُصْلت على الرقاب بغية إجهاض فرص التوصّل الى قانون التمثيل العادل. ويعتبر القياديون أن الدعوة الى الجلسة التي سبقت بساعات قليلة اجتماع اللجنة الوزارية التي كلفها مجلس الوزراء التداول لإيجاد النص التوافقي للقانون الانتخابي، تحمل نية واضحة للإلتفاف على مهمّة هذه اللجنة، وتاليا لإجهاض أي فرصة لإجتراح القانون العتيد.
كما لا يخفى التواصل بين القوتين المسيحيتين والرئيس سعد الحريري بغرض جعل قانون الإنتخاب عنوانا لنجاح حكومته، بدل أن يصير التمديد الوصمة السوداء في مسارها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News