احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، بقداس أحد القيامة المجيدة، قبل ظهر اليوم، في كاتدرائية مار جرجس في بيروت، يحيط به النائب العام لأبرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج ورئيس كهنة الكاتدرائية المونسنيور إغناطيوس الاسمر والمونسنيور كريستوف القسيس والأبوان عمانوئيل القزي وداود أبو الحسن، وشارك فيه الوزير غطاس خوري والنواب فؤاد السعد وإيلي عون ونديم الجميل وهنري الحلو ورئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن والوزراء السابقون نائب رئيس حزب الكتائب سليم الصايغ وجو سركيس وإبراهيم الضاهر والأمين العام للحوار المسيحي الإسلامي حارث شهاب والأمين العام للاتحاد من أجل لبنان مسعود الأشقر وممثلو الهيئات والمؤسسات القضائية والنقابية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.
وكان مطر احتفل بقداس نصف الليل، في الكاتدرائية ، بمشاركة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس الرابطة المارونية النقيب أنطوان قليموس ومصلين.
بعد الإنجيل المقدس ألقى مطر عظة جاء فيها: "بفرح عظيم ومحبة خالصة نعيدكم بقيامة الرب يسوع من القبر منتصرا على أكبر عدوين للجنس البشري منذ بداياته، ألا وهما الشر والموت. ولقد عشنا طوال أسبوع الآلام هذه المواجهة الكبيرة التي جرت بروح الشر بين من تربصوا بيسوع ظلما وحكموا عليه زورا ودفعوا به إلى الموت صلبا، وبين رسول المحبة الإلهية للأرض ورحمتها للناس جميعا دون استثناء. ورأينا كيف أن المسيح الرب بقي صامدا في محبته، غير هياب للموت وغير متراجع حتى عن الغفران لصالبيه، وقد أعرب عنه جهارا عندما كان معلقا على صليبه بين الأرض والسماء".
أضاف: "أوصل الشر يسوع إلى القبر وربما اعتبر أهل الإساءة أن قصته قد انتهت عندما وضع على باب ذلك القبر حجر من الحجم الكبير. لكن يسوع الذي قدم موته ذبيحة عن خطايا الأرض وشرورها، والذي وصل إلى الموت في طبيعته الإنسانية التي ضمها إليه بالتجسد، لم يكن ممكنا أن يغلبه الموت ولا أن يبتلعه وهو ابن الله بالذات وذو الطبيعة الإلهية التي بها خلق العالم ووهب الحياة كلها مع الآب والروح. ففي اليوم الثالث لصلبه كما وعد به الرسل القديسين، دحرج الحجر عن قبره وقام حيا. فانتصرت محبته على كل شرور الدنيا وانتصرت حياته على الموت الذي لم يعد سجنا أبديا للناس بل جسر عبور، أو فصحا إلى حياة جديدة وإلى عهد جديد. وبات من المؤكد القول، بفعل القيامة، إن الكلمة الأخيرة لن تكون بعد للشر أبدا، بل ستكون للغفران والمحبة. أول من شاهد القبر المفتوح كانت مريم المجدلية. وبعد أن ذهبت بسرعة وراء بطرس ويوحنا ليطلعا على مستجدات الأمور، توجه هذان التلميذان إلى القبر فلم يجدوا فيه جثمان يسوع بل شاهدوا الأكفان التي لف بها جسده مطوية والمنديل الذي كان على رأسه موضوعا على حدة. فآمنا بالقيامة. ومن ثم تراءى يسوع للمجدلية وتكلم معها. وفي مساء اليوم عينه، يوم القيامة، ظهر الرب للأحد عشر وهم في مكان واحد ففرحوا لقيامته فرحا عظيما. وصاروا جميعهم شهودا لهذه القيامة التي نؤمن بها معهم ونشهد لها حتى آخر الدهر".
وتابع: "المسيحية بجوهرها شهادة لقيامة المسيح له المجد وقد ارتكزت في إيمانها إلى هذه القيامة لتعلن أنه الحدث المؤسس لما تؤمن أنه عمل الله في الأرض من أجل خلاصها وفتح صفحة جديدة لأبنائها في علاقتهم مع ربهم وبعضهم مع البعض الآخر. فقيامة المسيح قلبت كل المقاييس المعروفة إبان ما قبلها. لأنها تخطت ما قد نسميه القدر الأعمى الذي كان يصيب الناس بالفشل في إصلاح أمورهم وكأن التغيير معهم "فالج لا تعالج". أما القيامة فهي التي حولت المستحيل إلى ممكن ودحرجت الحجر الذي كان قابعا على صدر الإنسانية المبلية بشرورها، وفتحت للكون باب رجاء كبير بعهد جديد وحالة إنسانية جديدة. هكذا أدرك بولس سر القيامة عندما شبه المسيح بآدم الجديد، أي الإنسان الذي سيكون منطلقا لعصر إلهي جديد نسميه عصر النعمة في ملكوت الله. غير أن المطلوب منا للاسهام في تحقيق هذا الملكوت، إنما هو التزامنا بروح المسيح وصلحه وسلامه وغفرانه، ولا بأس أن تكون لنا حصة في الآلام التي كانت للمسيح لكي نستحق نعمة الإفادة من قيامته ومن خلاصه. فالكنيسة التي هو جسده السري في الأرض هي القوة المحركة لدينامية الخلاص عبر مواكبتها العالم في تطلعه الدؤوب نحو الأفضل".
وقال: "كنيسة المسيح هي المكلفة من قبل ربها وبانيها بخدمة الخلاص، ويجب أن يبقى صوتها عاليا ومدويا في أروقة العالم الكبرى من أجل دعوة الناس إلى ما فيه صلحهم وسلامهم وتضامنهم وتآخيهم حول المسائل الأساسية للوجود. وهي تقوم بهذا العمل بصدق وأمانة لربها ومسيحها القائم من الموت. كما أن المطلوب أيضا، هو بذل الجهود الكبيرة من قبل ذوي النوايا الحسنة أينما كانوا بدعوتهم كبار الأرض إلى عدم الانطلاق في قيادتهم للدنيا من مصالحهم الخاصة والفئوية، بل من مصلحة السلام العالمي والتضامن الإنساني سبيلا إلى الخير الذي يجب أن يعم الجميع. الكبار في عالم اليوم لن يكونوا كبارا بتهديدهم الآخرين بالقنابل الضخمة وبعظائم الأمور. بل يكونون كبارا بقدرتهم على حل مشاكل العالم وليس على الإفادة الخاصة منها. الكبير اليوم هو القادر على حل قضية سوريا والعراق والمنطقة العربية برمتها وليس على إزكاء نار الفتنة وجعلها تستعر من جديد لغايات في نفس يعقوب. الكبير اليوم هو القادر على خدمة الضعفاء وليس على استغلالهم استغلالا كاملا أو جزئيا. هكذا يدخل العالم في جو القيامة أي في دنيا المصالحة والتضامن والمحبة. فليصرخ المؤمنون في هذا العيد قائلين أن روح المسيح هي الكفيلة بإشعال مصابيح الرجاء في الكون لتكون له الحياة".
وسأل: "هل كثير علينا في هذا العيد أن نتلمس روح المسيح في ما نحن بحاجة إليه في لبنان من أجل إنقاذ وطننا السائر كما يبدو في هذه الأيام على شفير الهاوية؟ إن هذا الروح يفرض علينا أن نعتبر بعضنا بعضا لا شركاء وحسب بل أخوة حقيقيين، فيكون الآخر صورة عن نفسي بحيث نلتقي معا على رؤية واحدة للوطن الواحد وعلى مصالحه التي تخص الجميع. فالظاهر اليوم يعطي عنا صورة سلبية وكأننا عجزنا على مدى سنوات طويلة حتى عن تدبير أمر بسيط يتمثل بوضع قانون جديد للانتخابات يكون موافقا للجميع. فهل يعقل مثل هذا الأمر في وطن نريده رسالة للشرق كما للغرب وفي مستوى أمور أساسية وحضارية كبرى؟ وهل نقر أننا عاجزون عن تدبير شؤوننا من دون وصايات ولا تدخلات تأتينا من بعيد أو من قريب فتزيد الأمور حدة بدل أن تسويها؟ إنه العيب الأكبر الذي يهدد البلاد والعباد ويصغر من قاماتنا على شكل لا يرضى به أحد".
وقال: "نناشد الضمائر الحية كلها، أن خافوا ربكم أيها المسؤولون وأنقذوا وطنكم مما يتخبط فيه من جدالات لا طائل تحتها. فالمنطقة كلها على فوهة بركان ونحن لاهون كما في زمن الأندلس أو في زمن تعرضت فيه بيزنطية لخطر الموت فيما كانت غارقة بجدل عقيم؟ وإننا في قلب هذا العيد نتقدم بالشكر الخالص من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يقود البلاد بحكمة وشجاعة وأبوة صافية تجاه الجميع، والذي أعاد لبنان إلى خريطة الدول المحترمة في مقاربتها لأمور السلام العادل في المنطقة كما في سواها. كما نشكر الله على إنجازاته وعلى الرسالة التي ائتمن عليها بوضع لبنان في سكة الدول المنتظمة دستوريا والموحدة وطنيا والمتطلعة نحو الأفضل سياسيا واجتماعيا وعلى كل صعيد. وفيما نذكر الشهر الإضافي الذي أعطاه فخامته للمجلس النيابي للعمل على بلورة حل للمشكلة التي نعاني منها، فلتكن هذه الفسحة فرصة حقيقية للوصول إلى ما تصبو إليه البلاد وإلا نكون قد حكمنا على بلادنا باليأس وبالضياع. فمن يتحمل مثل هذه المسؤولية الخطيرة؟"
وختم مطر: "لنسألن المسيح القائم من القبر منتصرا على الشر والموت، أن يعطينا سهما من روحه لننتصر بدورنا على الشرور المتربصة بنا وعلى العجز الذي يهدد بلادنا تهديدا واضحا. ولنا من قيامته المجيدة ما يضع الخير أمامنا والحب في قلوبنا. فيا من قمت من بين الأموات أعنا في إصلاح نفوسنا وفي قيامة لبنان، أنت الذي تحيا وتملك إلى دهر الداهرين".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News