ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم، الصلاة لراحة نفس راعي أبرشية حلب سابقا المطران أنيس أبي عاد، في كنيسة مار يوسف الحكمة.
وألقى عظة قال فيها: "أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي، وخرافي تعرفني" (يو 10: 14)
1. بالسلام والتقوى والسكينة التي ميزت حياته، أسلم المثلث الرحمة المطران يوسف انيس أبي عاد روحه، منطفئا كسراج. وكان ذلك قبل ظهر السبت الماضي، السادس من شهر ايار، عشية عيد سيدة لبنان، بعد شعوره بوجع في ظهره أزعجه، فسعفته شقيقته على تخطيه، واستراح في سبات قصير كان رقدته الأخيرة. فصحت فيه صلاة وضع البخور: "ما أشهى موت الأبرار، أسرار ما أغناها، غفو في الأنوار!".
2. إن كلام الرب يسوع، الراعي الصالح و"راعي الرعاة العظيم" (1بطرس 5: 4)، ينطبق تماما على أخينا المثلث الرحمة المطران يوسف-انيس. فقد كان في حياته الكهنوتية بتنوع محطاتها، وفي حياته الأسقفية كراع لأبرشية حلب العزيزة والشهيدة، "راعيا صالحا، عرف خرافَه، وخرافُه عرفَتْه" (راجع يو10: 14).
3. أبصر النور في بلدة دفون في قضاء عاليه، في أبرشية بيروت المارونية العزيزة، في 12 كانون الثاني 1940 في بيت المرحومين جرجس بطرس غالب وأليس يعقوب بشاره، وكلاهما من أسرة أبي عاد الكريمة. لكنه تيتم بوفاة أمه حال مولده، فربته خالتُه زوجة والده السيدة انطوانيت مع والده على الإيمان والصلاة والقيم الإنسانية ومحبة الكنيسة، إلى جانب شقيق وثلاث أخوات، نسج معهم ومع عائلاتهم أفضل علاقات المودة والأخوة. وآلمته وفاة شقيقه المرحوم بيار، فتعزى بأسرته.
4. لبى الدعوة الإلهية إلى الكهنوت، ودخل الإكليريكية البطريركية في غزير، وتابع دروس الفسلفة واللاهوت في جامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين وتخرج بإجازة فيهما، ثم بديبلوم في تعليم الكتاب المقدس من جامعة ليون الكاثوليكية. وارتسم كاهنا في 18 حزيران 1966. وقد احتفل في العام الماضي بيوبيله الكهنوتي الذهبي مع أبناء رعيته القديمة سيدة البير-سن الفيل وكاهنها ومعاونها، وعلى رأسهم راعي الأبرشية سيادة أخينا المطران بولس مطر. وكان الاحتفال بيوبيله متزامنا مع اليوبيل الفضي للمركز الراعوي الذي انشأه أثناء خدمته للرعية.
5. إن تربيته البيتية والكهنوتية والعلوم اللاهوتية والكتابية وانتماءه إلى جماعة كهنة البرادو بروحانية الطوباوي انطوان شفريه مذ كان دارسا في جامعة ليون سنة 1969، كونت شخصيته الإنسانية والروحية التي تجلت في حياته الكهنوتية والأسقفية: ففي قلبه حب شديد ليسوع المسيح، وشغف بكلمة الله في الإنجيل والكتب المقدسة، وغيرة متقدة على نشر الكلمة الإلهية بمَثَل حياته والتعليم والإرشاد وفن نقل كلمة الله للكبار والشبيبة والصغار. وهو يدرك أن هذه الكلمة تعطي معنى وقيمة لحياتهم، لأن المسيح نفسه هو "الكلمة الذي صار بشرا" (يو1: 14).
6. توزعت خدمته الكهنوتية، قبل ترقيته أسقفا على أبرشية حلب، على مدى سبع وعشرين سنة، بين إرشاد الطلاب الإكليريكيين والعمل الرعوي في رعية السيدة بسن الفيل، والمسؤولية الإدارية والروحية في جماعة كهنة البرادو. وكان فيها راعيا صالحا يعرف خرافه، وخرافه تعرفه" (يو10: 14).
ففي إكليريكية مار مارون البطريركية بغزير، وإكليريكية أبرشية بيروت، درس الكتاب المقدس واللاهوت، وأرشد وواكب الإكليريكيين في تمييز دعوتهم وصوت الله في داخلهم. وفي أديار التنشئة لطلاب الحياة الرهبانية الرجالية والنسائية أحيى رياضات روحية وأحاديث إنجيلية.
في رعية السيدة-سن الفيل، التي خدمها أربعا وعشرين سنة، عاش "راعيا صالحا" بكل أبعاد الكلمة، وأنشأ مركزا راعويا يهدف إلى ثلاثة: معرفة المسيح، والعمل المسكوني، والانفتاح على الديانات والسعي لعيش الأخوة مع جميع الناس، على تنوع أديانهم وثقافاتهم وانتماءاتهم.
في جماعة كهنة البرادو، تولى على دورتين، ولمدة عشر سنوات، مهمة السمؤول الأعلى للجماعة في الشرق الأوسط.
7. وعندما فقدت أبرشية حلب العزيزة راعيها، المثلث الرحمة المطران بطرس قلاوس، وحزنت جدا لوفاته المبكرة والمفاجئة، أرسل لها الله راعيا مثل قلبه بشخص أخينا المطران يوسف-أنيس. وقد انتخبه الروح القدس وأساقفة السينودس المقدس في دورة حزيران 1997. فوجد فيه أبناء الأبرشية وبناتُها في مدينة حلب وفي تركيا راعيا صالحا وأبا مُحبا وأسقفا غيورا، سار على خطى أسلافه، مميزا بلطفه وكلمته الدافئة، وابتسامته الدائمة، وقربه من كل إنسان، ومعرفته للجميع واحدا واحدا وباسمه. فأحبه أبناء الأبرشية وكهنتها وتعلقوا به. ونسج مع مطارنة حلب، من مختلف الكنائس، أفضل علاقات المودة الأخوية والتعاون الراعوي والإجتماعي.
كل هذه الأمور أنا شاهد عليها شخصيا، إذ كنت أتردد إلى حلب مطرانا، مدعوا منه لإحياء رياضات الصوم الكبير.
8. لقد بلغ التماهي بينه وبين أبرشيته ذروته، إذ تزامنت أحداث الحرب على حلب وبداية آلام شعبها مع تراجع ملحوظ ومتزايد في صحته، منعه من إمكانية العودة إلى أبرشيته وأبنائه في محنتهم. وتفاقم فيه المرض حتى فقد النطق وذاكرة الكلمات. فضم آلامه إلى آلام أبنائه الروحيين في حلب، وكل شعبها، ورفعها مع ذبيحة الفادي الإلهي من أجل خلاص الأبرشية والمدينة.
فقدم استقالته من إدارة الأبرشية في تشرين الثاني 2013، وعينا مدبرا بطريركيا عليها الأباتي سمعان أبو عبدو من الرهبانية المارونية المريمية، حتى انتخاب الخلف بشخص أخينا المطران جوزف طوبجي في آذار 2015، وتوليته على الأبرشية في كانون الأول في السنة نفسها. وسكن المطران يوسف-انيس في البيت الوالدي في بيروت محاطا بمحبة وعناية خالته وشقيقاته وامرأة المرحوم أخيه وسائر أنسبائه من بيت عمه وعمتيه وخاليه الذين نعرب لهم ولعائلاتهم ولسيادة أخوينا المطران بولس مطر والمطران جوزف طوبجي ولجميع إخواننا السادة المطارنة، عن أحر تعازينا وتعازي فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الممثَل بمعالي الوزير بيار رفول، وتعازي سيادة السفير البابوي ومطارنة الكنائس وكل هذا الحضور الكريم.
9. إن المثلث الرحمة المطران يوسف - أنيس الذي نودعه اليوم مع أبرشيتي بيروت وحلب، ورعيتي دفون وسن الفيل، وجماعة كهنة البرادو في الشرق الأوسط، ومع أهله وأصدقائه، قد انتقل إلى أمام عرش الله بروحه النقية وأعماله الصالحة وقدسية حياته المسيحية والكهنوتية والأسقفية. ونرافقه جميعا بالصلاة راجين له المشاهدة السعيدة في مجد السماء، وسائلين الله أن يعوض على الكنيسة برعاة صالحين، وعليكم بالسلامة وطول العمر".
وكان جثمان الراحل وصل إلى أمام مدرسة الحكمة في الأشرفية قرابة الأولى بعد الظهر، واستقبله راعي أبرشية حلب المطران جوزف طوبجي وكاهن رعية سن الفيل الخوري جورج شهوان ولفيف من كهنة أبرشيتي بيروت وحلب وأخوية كنيسة سيدة البير وأهل الفقيد ومحبوه.
وأمام كنيسة مار يوسف الحكمة، استقبله رئيس معاهد الحكمة الفنية والتقنية الخوري شربل مسعد مع كهنة المعهد والمسؤولين فيه وطلابه، وأدوا له تحية الوداع.
وفي الكنيسة، استقبل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر ونائبه العام المونسنيور جوزف مرهج وكاهن الرعية الخوري دومنيك لبكي ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، جثمان الراحل، ورفعوا الصلوات لراحة نفسه، بعدما خدم الكنيسة على مدى أكثر من نصف قرن، كاهنا وأسقفا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News