افتتح اليوم، أسبوع التشيلي في لبنان لتبادل الخبرات في مجال المرأة بين لبنان وتشيلي، بدعوة من وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسابيان وذلك في جلسة عمل أولى عقدت في جامعة بيروت العربية، بمشاركة الوزيرة السابقة في التشيلي والخبيرة في شؤون المرأة كارمن اندراد، سفيرة التشيلي في لبنان مارتا شلهوب، وحشد من ممثلي وممثلات منظمات المجتمع المدني العاملة في لبنان لتعزيز حقوق المرأة. وسيستكمل الأسبوع بجلسات عمل متتالية غدا الثلثاء في غرفة الصناعة والتجارة في طرابلس شمال لبنان وبعد غد الأربعاء في بلدية برجا إقليم الخروب، والخميس في سراي زحلة.
إستهل أوغاسابيان جلسة العمل مؤكدا "أهمية تبادل الخبرات لإغناء الرأي ومشاريع الحلول والمقترحات. ورحب بالضيفة القادمة من التشيلي الوزيرة السابقة كارمن اندراد منوها بما قدمته من "تضحيات لقضية المرأة في بلدها إذ تعرضت للسجن مدة سبعة أشهر في حقبة الحكم الديكتاتوري من أجل مبادئ إنسانية قيمة آمنت بها".
أضاف: "ان التشيلي خاضت مسيرة صعبة لتعزيز حقوق المرأة ولكنها نجحت في تحقيق الكثير ولعل الدليل الأبرز هو إقرار نظام الكوتا بنسبة أربعين في المئة لمصلحة المرأة". وأكد أن "إرادة السلطة السياسية هي الأكثر أهمية وتأثيرا لتأكيد وصول النساء إلى سلطة القرار وتحصيلهن حقوقهن التي يطالبن بها".
شلهوب
بدورها لفتت السفيرة شلهوب إلى "أهمية المسيرة التي خاضتها بلادها لتحصيل حقوق المرأة. وشكرت اوغاسبيان على هذه المبادرة مؤكدة أن "لبلادها الكثير لتقدمه في هذا المجال". وإذ نوهت "بأهمية مسيرة اندراد لتحصيل الحقوق، لفتت بشكل خاص إلى القسم الخاص بالشؤون الجندرية في جامعة التشيلي التي تعتبر الجامعة الحكومية الأكبر في البلاد، وقد عملت هذه الجامعة على إعادة تركيب وهيكلة الأقسام الجامعية ووضع سياسة جامعية ترتكز على المساواة ما يفسح في المجال للمزيد من السيدات ليتبوأن مناصب جامعية".
وأشارت شهلوب إلى "تعميم جندري صدر في التشيلي وفرض على كل الهيئات الحكومية احترام مبدأ المساواة، ما فتح الطريق لأن يصبح كل مجلس الوزراء لاحقا مرتكزا إلى المساواة، بالإضافة إلى برنامج تحسين الأداء والإدارة لإعطاء حوافز للموظفين لتحقيق الإلتزامات المطلوبة".
جلسة العمل
بعد ذلك بدأت جلسة العمل وقد أدارتها الدكتورة فهمية شرف الدين التي قدمت مداخلة لفتت فيها إلى أن "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة شبه مهمشة من قبل الهياكل الحكومية ويتجلى ذلك في حرمان الهيئة من الميزانيات الثابتة على سبيل المثال وحرمانها أيضا من حق هو لها بالتكوين، وهو حق إبداء المشورة في كل ما يتصل بقضايا المرأة في لبنان".
أضافت شرف الدين: "ان القضايا التي لا تزال تعاني منها المرأة اللبنانية هي القضايا نفسها التي أنشئت الهيئة الوطنية من أجلها وهي تختصر بمستويات ثلاثة: أولا مستوى تعزيز المساواة بين الجنسين ما يتطلب رفع التحفظات عن اتفاقية السيدا وخصوصا في مجالات قوانين الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون العقوبات. ثانيا: مستوى الرصد والمراقبة لكل ما له علاقة بصورة المرأة والتعبير عنها وعن أفعالها وصفاتها. ويندرج ضمن هذا المستوى تعديل صورة المرأة في المناهج التربوية الرسمية وفي الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع. ثالثا: هو مستوى تدخلي لدى الحكومة في كل ما له علاقة بتعزيز مكانة المرأة على المستويات الإقتصادية والإدارية والسياسية وتحسين شروط مشاركتها في رسم السياسات وتنفيذها، وبعض من وظائفها أن تعد برامج وأنشطة من أجل تعبئة الرأي العام وتحضير المناخ اللازم للضغط على الحكومة من أجل تعديل ما تراه من سياسات تمييزية ضد النساء".
وتابعت: "اننا بحاجة للهيئة الوطنية على أن تصبح مكانا للدراسات وإبداء المشورة ورصد الإنتهاكات بحق المرأة التي ترافق تطبيق الدستور والقوانين في لبنان. كما أننا بحاجة لوزارة الدولة لشؤون المرأة من أجل الإنصاف والمساواة الجندرية لأن مهام الوزارة التنفيذية ومشاركتها جلسات مجلس الوزراء يتيح لها التفاوض داخل السلطة التنفيذية والمساهمة في تعديل القوانين لتصبح قوانين صديقة للمرأة، كما أنها نافذة ضرورية للنساء على الخارج".
ورأت أنه "من المفترض أن تكون لجنة للمساواة من أولى مهمات وزارة المرأة".
اندراد
ثم قدمت اندراد محاضرتها التي استهلتها بالقول إن "الآليات المؤسساتية الجندرية هي أدوات أنشئت للدفع قدما بالعمل للمساواة بين الرجل والمرأة وإن إنشاءها وتطبيق أهدافها شكل عملية معقدة لم تخل من المصاعب".
اضافت: "ان الهدف الأساسي هو مثالي بأن تصبح المشاكل الناجمة عن عدم المساواة بين الرجل والمرأة مدرجة على الأجندات السياسية، وبالتالي وضع سياسة عامة حكومية تؤدي إلى مواجهة هذه المشاكل من خلال عمل المعنيين مباشرة بالسلطة ومن خلال الناشطين في منظمات المجتمع المدني".
وتابعت اندراد أن "المواضيع المرتبطة بالجندر أو الخاصة بالمرأة تتنافس مع مواضيع عديدة أخرى فضلا عن ضغوط تنشأ عن مناخات سياسية معينة وتأثير وسائل الإعلام وقوى فاعلة أخرى، وبما أن للحكومات وقت محدود وموارد محدودة فإنها تعطي الأولوية لمتغيرات أخرى بحسب الحجم والتكلفة الإقتصادية".
ولفتت الوزيرة السابقة في التشيلي إلى أن "المشكلة لا تعود فقط للسياسة الحكومية، بل ان المشكلة سواء كانت اجتماعية او غير ذلك، يمكن أن توصف وتفسر بطرق مختلفة".
وتابعت أن "المنظور الجندري بالتحديد هو تفسير معين لواقع اجتماعي وثقافي يعترف بوجود نظام جندري يحدد العلاقات في إطار عدم المساواة انطلاقا من الفروقات البيولوجية بين الرجل والمرأة. وبالتالي إنها استراتيجية ضرورية من أجل دفع كل المواضيع المهمة المتعلقة بالمرأة كبعد ضروري في إطار عملية تقييم السياسات والبرامج من أجل أن تستفيد منها المرأة كما الرجل ولا تتكرر حالات عدم المساواة".
وأكدت اندراد أن "إدماج السياسات الجندرية في السياسات الحكومية يتوقف على الإرادة السياسية والقواعد والمفاهيم القائمة في الدولة. وقد تم تطوير أنواع عدة من السياسات مع مرور الزمن بدءا من سياسات تكافؤ الفرص التي تنطلق من أن على الدولة ضمان الفرص لجميع الأشخاص للقضاء على حالة عدم المساواة. وقد قامت هذه السياسات بمراجعة الأطر القانونية وألغت قوانين كانت تميز بين الرجل والمرأة وعززت وصول المرأة إلى التعليم وسوق العمل والسياسة والثقافة ودفعت قدما بهدف وضع إجراءات تسمح بالتوعية حول حقوق المرأة".
أضافت أنه "رغم ذلك، لا تتمكن هذه السياسات من تغيير كل الظروف التي تؤدي إلى التمييز وتبديل الأدوار التقليدية. فالمرأة دخلت سوق العمل ولكنها تتقاضى أجرا أدنى من الأجر الذي يتقاضاه الرجل رغم تأدية الإثنين المهام نفسها. لذا، نشهد المزيد من السياسات الهادفة إلى تعميم النوع الإجتماعي أو الجندر وهي تنطلق من أن كل العلاقات بين الرجل والمرأة ترتبط بهذا النظام الجندري. وهذا يفترض على الدولة تعزيز سياسة المساواة في مختلف الميادين وحتى في الموازنات وفي ثقافة المؤسسات".
ورأت أن "السياسات تكتسب الطابع المؤسساتي عندما تحصل على الإستقرار الزمني وترتكز على معايير أو قوانين تعطيها الصفة القانونية وتحررها من التغييرات الظرفية وبالتالي يجب أن ترتكز سياسات المساواة إلى طابع جندري من أجل أن تنعكس عمليا. وقد أظهرت التجارب أن مستويات التأثير بهذه السياسات تتوقف على مدى ظهور المستوى الجندري في الأجندات الحكومية وعلى درجة شرعنتها وإضفاء الطابع القانوني عليها بالنسبة إلى سائر المنظمات النسائية، كما تتوقف على مستوى انتشارها في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية".
وتابعت اندراد أن "تأثير السياسات يتوقف على الطابع المؤسساتي الذي يحدد صلاحياتها ومهامها إذ إن الوزارة أكثر تأثيرا من الدائرة والدائرة أكثر تأثيرا من البرنامج. كما أنه من العوامل التي تحدد مدى تأثير السياسات المتعلقة بالمرأة هو وجودها ضمن التراتبية المؤسساتية التي تسمح بالوصول إلى مراكز القرار والموازنات المخصصة وعدد الموظفين الذين يوكلون تنفيذ هذه المهمات".
تجربة التشيلي
أما بالنسبة إلى تجربة التشيلي، فقد أوضحت الوزيرة التشيلية السابقة أنها "صبغت حقبة التسعينيات بعملية استعادة الديمقراطية بعد سبعة عشر عاما من الحاكم الديكتاتوري العسكري إذ نشطت الحركة النسائية بالنضال ضد هذا النظام وتمكنت من إرساء مفهوم الديمقراطية في البلاد كما في المنزل، إضافة إلى إدراج أهم مطالبها في البرنامج الحكومي وأهمها إنشاء مؤسسة لإرساء المساواة الجندرية بين الرجل والمرأة، ومهمتها التعاون والتنسيق مع السلطة التنفيذية في اقتراح خطط عامة وتدابير تسمح للمرأة بالتمتع في المساواة في الحقوق والفرص بالمقارنة مع الرجل والمشاركة في عملية التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية".
وتابعت اندراد أنه "تم إنشاء ما يعرف بمجلس وزراء من أجل المساواة ولجان تقنية جندرية خاصة ومكاتب بلدية للمرأة. أما على مستوى التأثير السياسي فقد تم إنشاء هيئات للمرأة ووضع نسبة خاصة للمرأة في الأحزاب السياسية والبرلمان وقانون التمثيل السياسي المتوازن بنسبة 60 في المئة، 40 في المئة بين الرجال والنساء في اللوائح الإنتخابية، إضافة إلى الحوافز الإقتصادية وبعض الدعم للنساء المنتخبات. أما على مستوى البرامج الوطنية التي وضعت فكان هناك البرنامج الوطني لدعم المرأة في المنزل والبرنامج الخاص في مكافحة العنف المنزلي وفي الممارسات المهنية الحميدة التي ترتكز إلى المساواة الجندرية والمساواة السياسية وبرنامج خاص بعيش الحياة الجنسية بطريقة صحيحة. كذلك على المستوى التشريعي، فإن الدائرة الوطنية لشؤون المرأة دفعت لاعتماد قوانين تضمن الحقوق الفردية والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وتمت المصادقة على اتفاقات دولية وإلغاء مواد تتضمن تمييزا بحق المرأة وإقرار قوانين لحماية العائلة وتمتع المرأة بالحقوق الإجتماعية. كما تم تسهيل وصول المرأة إلى سوق العمل وتحفيز مشاركة المرأة بالحقوق السياسية".
وقالت: "إن دائرة شؤون المرأة وضعت استراتيجيات مختلفة من خلال تقديم المشورة التقنية والتمكين لموظفين حكوميين وتطبيق نماذج تدخل وإصلاحات قانونية وسياسات حكومية جديدة والعمل على رفع مستوى المعرفة والعمل على أن يصبح الرأي العام مناصرا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة".
وتابعت أنه "في عام 2014 فتحت نافذة جديدة في خلال الحملة التي خاضتها رئيسة التشيلي الحالية إذ أقنعتها المنظمات النسائية بأن تدمج في برنامجها التزاما بتعزيز الطابع المؤسساتي الجندري وإنشاء وزارة خاصة بالمرأة؛ وفيما تراجعت المعارضة التي كانت سائدة في البرلمان حول هذا الموضوع، باتت تشيلي تتنفس مناخا ثقافيا جديدا. أما بالنسبة إلى المهام المركزية للوزارة فهي أولا صياغة ووضع السياسات ومشاريع القوانين مع الإبقاء على دائرة المرأة وإعطائها مهمة تنفيذ هذه السياسات والبرامج الأخرى. وفي إطار القانون الذي عملت عليه وزارة المرأة، تم إنشاء ما عرف بمجلس وزراء من أجل تحقيق المساواة والصندوق الوطني لدعم المبادرات الهادفة إلى تمكين النساء ودعمهن. ومنحت كل المؤسسات التي تعنى بمسألة المساواة المزيد من الصلاحيات والقدرات".
وختمت اندراد قائلة "إن كل هذه الآليات أساسية لأجل المرأة إلا أنها لا تحل مكان النضال الأساسي للمرأة".
بعد ذلك عقدت حلقة نقاش تخللتها أسئلة وأجوبة واستيضاحات حول السياسات المطبقة في التشيلي لتعزيز حقوق المرأة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News