ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
قرّرت الدولة أن تضع يدها أخيراً على فوضى السلاح "الشرعيّ" المتفلّت بين أيدي الناس، والذي يعد جزءاً من الأدوات التي استخدمت في العديدِ من الجرائم التي هزّت كثيراً منها الرأي العام. المقصود بالسلاح "الشرعيّ المتفلّت" هنا، ذلك الخاصّ بمدنيين يملكون رُخَص حيازة أسلحةٍ وبنادق.
بعد الحرب الأهلية وسحب السلاح من الميلشيات المُتنازِعة، بقيت أسلحة فرديّة منتشرة هنا وهناك يحوزها مدنيون، صَعُبَ على الدولة مصادرتها نتيجة اعتباراتٍ عدّة، سياسيّة، حزبيّة، عشائريّة، عائليّة وغير ذلك. مثله مثل أيّ دولة، عمل لبنان على محاولة "تشريع" تلك الأسلحة من خلال ترخيصها، بغية ضبط استخدامها وحصرها تحت سقف القانون، للحدِّ من استغلالها في أيّ عملٍ شخصيّ. استغلّت الأحزاب الوضع الجديد، ونقلت حيازتها للأسلحة بطريقةٍ غير شرعيّة إلى شرعيّة من خلال كمٍّ هائلٍ من الرُخص التي كانت تستحصل عليها من وزارة الدفاع لتُقدّمها "كجوائز" للمناصرين، فيما أبقت على جزءٍ خاصّ صنّف تحت اسم "صفةٍ خاصّة" مخصّص لحمايتها الذاتية وحماية شخصياتها، والشخصيات السياسيّة المختلفة.
ذات يومٍ فُوجِئتُ بأحد الأصدقاء يمتلك رخصة سلاح "بنت سنتها" على الرغم من أنّي على درايةٍ مسبقاً بأنّه لا يجيد استخدام السّلاح من أصله. أثار ذلك حشريتي، وعند سؤالي له عن كيفية حصوله على الرُخصة، أجابني: "لي قريب بالحزب الفلاني، أهداني إيّاها".. "شو شغلك فيها؟.. قال: منفشّخ عل ناس".. وهناك حالات "تفشيخ" كثيرة مشابهة! إذاً، باتت "وسائل القتل" جوائز بيد أشخاص لا يعرفون كيفية استخدامها، أمّا الجهة المسؤولة عنها، فليست وزارة الدفاع بقدر ما هي أحزاب "الأمر الواقع" التي تجسو على صدر الدولة.
على أعتاب زيادة جرائم القتل وإطلاق النار على أشخاص والتي بلغت لحدِّ كتابة هذه السطور، 14، ونظراً لارتفاع الصوت لدى الرأي العام، قرّر وزير الدفاع يعقوب الصرّاف وضع حدٍّ لتفلّت السلاح، من خلال توقيعه قرار حمل الرقم 883/و د تاريخ 11 حزيران الجاري، يقضي بـ"إلغاء تراخيص حمل الأسلحة عن عام 2016" (أي تلك سارية المفعول حتّى 2017 بقرارات تمديد)، معلّلاً قراره بـ"كثرت الإشكالات الأمنيّة، والتي نتجت عنها أحداث جُرمية" معترفاً بـ"تفلّت السلاح بين أيدي المواطنين"، أمّا في البند الثاني، يمكن ملاحظة نقداً ذاتياً لمسألة التراخيص. القرار الذي صدر، يأتي بناءً على دراسة سابقةٍ قضت بمعالجة كيفيّة تقديم تراخيص السلاح وتقطيرها بنظامٍ جديد للحدِّ من توزّعها وانتشارها ووضعها ضمن إجراءات حازمة.
شهد منح رخص السلاح في السنوات الماضية انفلاتاً وعشوائيّةً غير مسبوقتين، إذ باتت العلاقات الفرديّة مع سياسيين أو بعض العسكريين، هي الممرّ الآمن والفعّال للحصول على هذه الرُخص، حتّى إن سُوقاً سوداء نشطت في الفترة الماضية واستغلّت العلاقات في الاستفادة الماليّة على ضهر التراخيص، وهو ما وضع السلاح موضع المتفلّت - القانوني. انفلات الأمور على هذا الشكل، دفع بالجهات العسكريّة المختصّة إلى وضع خُططٍ لمعالجة هذه الظاهرة تجّلت بتنظيم استمارةٍ خاصّة يقدّم من خلالها طلب الترخيص من صاحب العلاقة، تحتوي بياناتٍ شخصيّة خاصّةٍ بمقدّم الطلب، مرفقة بصورةٍ عن السجلّ العدليّ، وصورتين شمسيتين، وإفادة سكن من مختار المحلّة التي يقطن فيها، وصورة عن هويته، بالإضافةِ إلى تعهّدٍ خطّيّ.
اللّافت في الاستمارة الجديدة التي تُعبّأ يدوياً من صاحب العلاقة، ورد تفعيلها في قرار وزير الدفاع (المذكور أعلاه) والمنشورة على الموقع الرسمي للوزارة، أنّها تحتوي خانةً مخصّصة لرقم قطعة السلاح، ما يُعدُّ أمراً لافتاً يقوّض من التصرفات العشوائيّة لحاملِ القطعة. وهي تضبطه على النحو الآتي:
- تصبح القطعة ملكٌ خاصٌّ لشخصٍ محدّد
- لا يمكن تسجيل القطعة مرّتين، أي إنّه يصبح لها حصرية بمالكٍ وحيد
- تسجيل القطعة يقوّض من عمليّة بيعها لاحقاً خوفاً من استخدامها بطريقةٍ غير قانونيّة قد تؤدّي بصاحبها إلى المُساءلة
واللّافت في الطلب الجديد الذي وبحسب مصادر "ليبانون ديبايت"، سينفّذ بحذافيره ويقطع الطريق على أصحاب الاستفادة من مُقدّمي الطلبات العشوائيّة، أنّه يخلق حالة نفسيّة على المدنيّ مقدّم الطلب، نتيجة الصرامة التي لم تعهد سابقاً، بعد أن كان المواطن يتّكل على "الواسطة" في الاستحصال على الترخيص، ويخضع من خلال الأسئلة، بما هو أشبه بـ"تحقيقٍ على الورق".
أمّا وعلى مقلب الأحزاب والجهات السياسيّة التي تستفيد من الرُخص للحماية الذاتيّة، فعلم "ليبانون ديبايت" أنّها باتت مسؤولة عن كلّ طلب ترخيص حيازة أسلحة تقدّمه لأي عنصرٍ أمنيٍّ ضمن صفوفها، وهي تتحمل تَبِعات استخدامه للسلاح بطريقةٍ غير شرعية، وهي ستخضعُ للمساءَلة في حال حصول أي أمر لا ينطبق مع الشروط، مراعية الإجراء التي تُعطى الرُّخصة على أساسها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News