"ليبانون ديبايت" - انطون الخوري حرب
يقفل الاسبوع الحالي على انتهاء مسلسل قانون انتخابي، لم يشهد لبنان مخاضاً طويلا ومعقدا لولادة مماثلة له، ولم تأت نتائجه على قدر الجهد والوقت المبذولين في سبيله، ولا على قدر توقعات المواطنين الذين علقوا الكثير من الآمال على انطلاقة العهد الجديد. كما لم يسبق ان شهد مخاض آخر، هذه النسبة العالية من التناقضات في المواقف على كافة المستويات.
بدايةً اعطى رئيس الجمهورية اقرار قانون انتخابي جديد يحقق صحة وديموقراطية التمثيل النيابي الذي لم يتحقق منذ العام 1960، الاولوية لانطلاقة عهده كما جاء في خطاب القسم.وما ان تشكلت الحكومة حتى اطلق حملة لدعم النسبية الكاملة كقاعدة للقانون العتيد. وبات مصطلح النسبية شاملا كافة المواقف والاطراف كمعيار اوحد لارساء الديموقراطية الصحيحة. الامر الذي خلق موجة تفاؤل عامة ابشرت بعهد سياسي مختلف يحاكي تطلعات المواطنين. لكن هذا التفاؤل لم يلبث ان خفضه موقف النائب وليد جنبلاط، والذي لاقاه اليه الدكتور سمير جعجع. ثم تحولت هذه الثنائية الى ثلاثية بانضمام الرئيس سعد الحريري اليها، فيما موقف الرئيس مستمر بنفس الزخم متلاقيا مع الثنائية الشيعية وسائر قوى 8 آذار.
اما التيار الوطني الحرّ فلم يكن موقفه الاستثنائي متللاقيا مع موقف االرئيس او مكملا له، بل انه بدا بالتموضع في معسكر رفض النسبية ليصبح تدريجيا الراعي الاول لمناهضته فاسقاطه من التداول. واستمرت التقلبات فبدأ موقف كل من جنبلاط والحريري بالتحول تدريجيا باتجاه تبني النسبية. وازاء هذا الامر بدأ الوزير جبران باسيل يشعر انه وحيدا فاستنجد برئيس الجمهورية الذي دعم صهره متخليا عن النسبية ومؤيدا للصوت التفضيلي والتأهيل الذان يفرغان النسبية من مضمونها.
ايضا استمرت التقلبات فتغيرت خيارات الرئيس من تفضيل الفراغ على قانون الستين، الى التسليم ببقاء قانون الستين، الى رفض الفراغ والتمديد والستين معاً. اما باسيل فاستند الى قانون الستين ليفاوض على اطر نظام انتخابي اكثري يقوم على القضاء كدائرة انتخابية وفق نظام التصويت الاكثري تحت عنوان الستين معدلاً.وبعد انضمام جعجع الى معسكر النسبية بقي باسيل وحيداً في ساحة الاكثري، كما بات همّ الفوز في دائرته معيارا متداولا بشكل طبيعي وعادي بين السيباسيين والصحافيين، وشرطا اساسياً له للموافقة على اي طرح غير طرحه.
في الختام، امّنت القوات بشخص النائب جورج عدوان المخرج للرئيس ولصهره عبر اجتراح صيغة الخمس عشر دائرة، مخيّراً باسيل بين اهون الشرور بالنسبة لحجم الدائرة، وبين عدم التوصل الى قانون قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، الامر الذي كان هذا الاخير يفضّله على اقرار قانون لا يضمن فوزه ويبقي الحل معطلا، والنظام معرضا للفراغ الشامل الذي هدد به الثنائي الشيعي في حال اوصلت الرئاسة الاولى المجلس النيابي الى الفراغ. وامام رضوخ الجميع للتهديد الشيعي، بات واضحا ان انقاذ العهد الوليد مرتبط برضوخ الطرف الوحيد المعرقل، فوافق باسيل مع اضافة شرط تفاوضي جديد الى مشروع عدوان وهو الصوت التفضيلي.
بانتهاء هذا المخاض الانتخابي، يكون مسار قانون الانتخابات قد رسى على الشكل التالي:
قانون انتخابي شبه نسبي لجهة اعتماد النسبية في دائرة اوسع من القضاء، وهو الحل الوسط بين مطلب حزب لله بالدائرة الواحدة ومطلب باسيل بالقضاء كدائرة. اما التصويت خارج القيد الطائفي بحسب مطلب الثنائي الشيعي، فقد اتى ايضا كحل وسط حيث يعطى الصوت التفضيلي طائفيا في القضاء، فيما يعطى خارج الطائفية في الدائرة.
ليس من المبالغة بشيئ، تشبيه انطلاقة عهد الرئيس ميشال عون بنصف تقليعة منذ بدايته، بحسب التسوية التي بني عليها تشكيل الحكومة، ثم التسوية في اقرار الموازنة وقطع الحساب، ثم التسوية في علاقة الرئاسة بالدول العربية بعد قمة الرياض الاخيرة. انتهاء بالتسوية في قانون الانتخابات النيابية الذي هو نفسه تسوية بين عدة اطراف. وهكذا لا يكون ايضا من المبالغ فيه ان قلنا انه وفق هذا التصور، سيطلق على عهد الرئيس عون اسم "عهد التسويات".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News