"ليبانون ديبايت" - المُحرّر السياسيّ
لم يكن خروج وزير التربية مروان حمادة من جلسةِ مجلس الوزراء يوم أمس الأوّل وعلى وجهه علامات الغضب بمثابةِ "موقفٍ مرحليّ" ناتج عن خلافٍ آنيٍّ حول تركيبةٍ ما، وعند حلّها تسقط الأسباب المُوجِبة وتعود المياه إلى مجاريها؛ بل تبيّن أنّ الخروج كان انسحاباً، وتحوّلَ لاحقاً إلى اعتكافٍ بعد أن قرّر الوزير عدم السماح بـ"مدّ اليد" على صلاحياته المُستَمدَّة من اتّفاق الطائف وترعاها القوانين مرعيّة الإجراء.
"نشف ريق" الوزراء نهاد المشنوق ومحمد كبارة ومعين المرعبي وجان أوغسبيان وأيمن شقير الذين تداعوا لثني "حمادة" عن الخروج والعودة إلى الجلسة، لكنّه قال على مسمعهم إنّه اختار "الانسحاب ثمّ الاعتكاف". قرار حمادة كان متوقّعاً بعد أن باتت الأمور في "التربية" لا تُطاق، وعبارات الاستياء تحتلّ الألسنة، لا بل ترتفع إلى أبعد من حدود طوابق مبنى الوزارة في السوديكو، دون أن يقوم أحد بتمنين نفسه والسماع.
المُشكلة في وزارة التربية ليست وليدة اللّحظة، بل تعود إلى زمن الوزير السابق إلياس بو صعب الذي اختار أن يُعيّن "حاشيته والمقرّبين منه" في مراكزها الأساسية، ما حوّلها إلى "إمارةٍ خاصّةٍ خاضعة"، ولم تنفع في إصلاح اعوجاجها الورش المتعدّدة المنقّحة بكلِّ سبل العلاج، ما دفع "حمادة" مرّةً إلى اتّخاذ القرار بالاستقالة لكن ونزولاً عند رغبة النائب وليد جنبلاط قرّر التراجع والاستمرار في تحمّل المسؤوليّة".
الأزمة التي تفجرّ أمس الأوّل صاعقها كان عرقلة آليات تنفيذِ هِبة الـ150 مليون دولار المقدّمة من البنك الدوليّ لصالح الوزارة، أمّا أسبابها الحقيقة كما تؤكّد مصادر عديدة على اطّلاعٍ وثيق، هو "تسلّط الوزير السابق إلياس بو صعب متسلّحاً بمجموعةِ موظّفين عيّنهم، ومركزاً مستحدثاً خُصِّصَ له ودعم من فريقه السياسيّ، ما أتاح له القفز على قرارات الوزير الأصيل وربط ملفّ الهِبات بشخصه والمُقرّبين منه لا بالدوائر الرسميّة والإداريّة التي تخضع لوصاية الوزير".
وعَلِمَ "ليبانون ديبايت" أنّ الوزير حمادة طلب تغيير شروط الهِبة؛ ما يجعل وزارة التربية هي الوصيّة عليها وعلى كلّ ما يتعلّق بالهِبات الدولية الواردة إليها، وجعلها المسؤولة وحدها عن توزيعها عبر المركز التربويّ للبحوث، لكنّ فريق "التيّار الوطنيّ الحرّ" رفض اقتراح التعديل وشدّد على حصرها بالموظّفة المُقرّبة من "بو صعب"، صونيا خوري.
أمّا الذي فجّر الغضب وأدّى إلى خروج الوزير، فهو انصياع رئيس الحكومة سعد الحريري بالكامل إلى صفّ فريق "بو صعب"، إذ وبدل أن يحلّ المسالة بما يتطابق مع القوانين وحماية صلاحيّات الوزير، رمى الكرة في ملعب قصر بعبدا مقترحاً عقد لقاءٍ بين مروان حمادة وإلياس بو صعب "لحلّ المشكلة"!
الحريري استند في اقتراحه على المركز الذي يشغله "بو صعب" وهو "مُستشار رئيس الجمهوريّة لشؤون الهبات الدوليّة"؛ أي مظلّة تبرير القفز على صلاحيّات الوزير المَعنيّ بأمورِ التربية وجعله في المستوى الثاني عارياً من أي وصاية تُذكر على أموال الهِبات العائدةِ لوزارته، ما حوّله إلى شاهد زورٍ ومجيب طلبات على أموال تُصرفُ بطريقةٍ استنسابيّة بين الزوج والزوجة!
وعَلِمَ "ليبانون ديبايت" من مصادره، أنّ عرقلة وتوقيف الهِبة سببه امتناع الوزير مروان حمادة عن تمريرها من خلال قناة إلياس بو صعب وإصراره على حصر الموضوع بالقناة الإداريّة في الوزارة، كما تنصّ القوانين، وهو مكان رفض من بو صعب وفريقه الذي روّض الهِبات ووضعها تحت زنّاره.
وبعد أن أدرك حمادة أنّ لا سبيل للحلّ وليس هناك من سيسمع أو يجيب على الرغم من ارتفاع الصرخات، قرّر الاعتكاف عن حضور جلسات مجلس الوزراء حتّى يجري كيِّ اليد التي تمتدّ إلى صلاحيّاته كوزير، وقد يبلع هذا الاعتكاف دوائر وزارته أو ما هو أبعد من ذلك.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News