"ليبانون ديبابت": نهلا ناصر الدين
ثلاثمئة وأربعٌ وستون يوماً مرّ على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي، بإجماعٍ سياسي تبيّن أنه مؤقت، وتسوية سياسية، شاملة، جاءت بعون رئيسا للجمهورية وبرئيس تيار المستقبل سعد الحريري رئيساً للحكومة، ووُزِعت بموجبها بلوكات النفط والحقائب الوزارية.
كُتب الكثير والكثير عن السنة الأولى من العهد الجديد، وخِيط بحقها أشعار المديح الفضفاضة تارةً والذمّ الضيقة تارةً أخرى، لكننا لن ننجرّ وراء هذه الآلية، في هذا التحقيق، بل سنعمد إلى محاسبة الرئيس "القوي" كما يفضّل أن نسميه، عبر كلامه هو. فسنلجأ لبنود خطاب القسم الرئاسي الذي تلاه الرئيس عون في مجلس النواب في تاريخ الـ31 من تشرين الأول من العام الماضي، ونواجه فخامة الرئيس بها. سنرى ما تحقق منها بعد مرور سنة على العهد، ما هو قيد التنفيذ، وما هو لم يُنفذ حتى الساعة وربما لن نرى بوادر تنفيذه في عهد يُنهي السُدس الأول من ولايته يوم غد.
قسّم "ليبانون ديبايت" القسَم الرئاسي إلى 32 بنداً، تم توزيعهم على محاور 5 ، "أمن وقضاء، انتخابات، على الصعيد الوطني، على صعيد اللاجئين والنازحين، وعلى الصعيد الدولي". سنفندها بنداً بنداً ونرى في النهاية ميزان الإنجازات بأبعاده الثلاثة (المنجز، غير المنجز، وقيد التنفيذ".
أمن وقضاء
على صعيد الأمن والقضاء تعهد الرئيس عون يوم انتخابه بـ"منع انتقال أي شرارة إلى لبنان من النيران المشتعلة حوله في المنطقة" في الحقيقية لم تنتقل أي شرارة إلى لبنان من دول المنطقة، ليس لأن لبنان محصنا بعهده الجديد بل لأن الدول اللاعبة في المحيط لا تريد ذلك، وإن نظرنا إلى الوضع العام نرى أن لبنان يترنّح داخل هذه النيران، وشريكه في الوطن (حزب الله) لاعباً أساسياً في هذه النيران.
ويُسجّل للعهد في بندَي "التعامل مع الإرهاب استباقياً وردعياً والتصدي له حتّى القضاء عليه، وتعزيز الجيش وتطوير قدراته" معركة الجرود ضد المجموعات الإرهابية المسلحة في جرود لبنان الشرقية، وهو الإنجاز الذي ينقسم حوله أبناء الوطن الواحد على خلفية مشاركة حزب الله العسكرية بهذه المعرك.
ولم نرَ أي "تنسيق كامل بين المؤسسات الأمنيّة والقضائيّة" بل كلٌ منها يغنّي على ليلاه"، وفي بندَي "تحرير المؤسسات الأمنية والقضائيّة من التبعيّة السياسية، والسّهر على سلامة القضاء والعدالة" نرى ثلاث إنجازات قضائية، وهي إبطال المجلس الدستوري رغم الضغوط السياسية لقانون الضرائب، والوصول لحكم قضائي في قضايا كانت منسية مثل قضية اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق بشير الجميل والقضاة الأربعة. بينما لم نرَ أي "ضبط لتجاوزات المؤسسات الأمنية والقضائيّة، أو تفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها".
انتخابات
وعلى الصعيد الانتخابي، تعهّد الرئيس بـ"إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات القادمة" وفعلاً وفى الرئيس بنصف عهده، فتم إقرار قانون انتخابي بعد 8 سنوات من البحث الجدي حيناً وغير الجدي أحياناً، ولكن لا يحقق هذا القانون الذي أسماه صانعوه بأنه (أسوأ الممكن) عدالة التمثيل، كونه فُصّل على مقاس المصالح السياسية الضيقة للكتل النيابية، فأصبح القانون من حيث يدري أو لا يدري العهد ستيناً مقنعاً بنسبية شكلية مشوهة ستقوم بإعادة تدوير زوايا المجلس النيابي الحالي بهندسة شكلية جديدة من دون تغييرٍ يُذكر.
اقتصادياً
وتعهد فخامة الرئيس على الصعيد الاقتصادي بـ"إصلاحٍ اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات" لم نلمس حتى اليوم إصلاحاً إقتصادياً، وكل ما أنجزه العهد هذا العام اقتصادياً فهو إقرار سلسلة الرتب والرواتب، مغلّفة بقانون ضرائب تفقيري يضيّق العيش على اللبنانيين، ويطال بنسبة 55 في المئة منه المواطنين بشكل مباشر و18 في المئة منه يطال القِطاع العقاري و26 في المئة منه يطال القطاع المصرفي، وهي ضرائب رأى أهل الاختصاص أنها تزيد نسبة الفقر في لبنان من 31.52 5 إلى 33.93 %. يضاف إلى الإصلاحات الاقتصادية إقرار موازنة العام 2017 بعد 12 سنة من الصرف على القاعدة الاثنى عشرية، وهي موازنة حسابيّة لا تتضمّن أي رؤية اقتصاديّة إصلاحيّة.
كما لم نلمس "التأهيل في مختلف إدارات الدولة، أو وضع خطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية" ولا زال قاصد الإدارات الرسمية يقضي أياماً وأسابيع وأحياناً أشهر ملاحقاً معاملته التي لا تعرف طريقاً للخلاص من دون رشوة.
وفي "استثمار الموارد الطبيعية في مشاريعَ منتجة" أقر مجلس الوزراء مراسيم تنظيم قطاع النفط، في 4 كانون الثاني 2017، ليضع لبنان على طريق الدول النفطية، ولكن في الكهرباء والمياه فلا زال اللبنانيون يدفعون فاتورتين للكهرباء وثلاثة للمياه. علما أنه في 28 آذار 2017، أقرّ مجلس الوزراء "خطة إنقاذية لقطاع الكهرباء لصيف 2017". وهي الخطة التي أعد لها وزير التغيير والإصلاح سيزار ابي خليل شروط تلزيم مفصلة على مقاس شركة (كارادينيز التركية)، ورُفضت أوراقها المعتمدة من إدارة المناقصات، والنتيجة أن صيف 2017 انتهى من دون كهرباء، وملف استقدام البواخر لا يزال عالقاً بين الأخذ والرد.
هذا ولم نرَ تطبيقاً لوعد "الاستثمار في الموارد البشرية وبشكل خاص في قطاع التربية والتعليم والمعرفة" ونسب البطالة إلى ارتفاع وبلغت 35 % كمعدل عام، ووصلت إلى أكثر من 60 % في صفوف الشباب الجامعي. وحقق العهد في آب الماضي إقرار "الشراكة بين القطاع الخاص والعام" من دون أن نلمس نتائج هذا القرار حتى الساعة.
وطنياً
وعلى الصعيد الوطني يفاجئنا البند القائل عن لسان فخامته "احترام الميثاق والدستور والقوانين" فمغالطات كبيرة دستورية حصلت في السنة الأولى من العهد، أولها عدم إجراء الانتخابات الفرعية، والذي يشكل عدم إجرائها مخالفة للدستور والقانون، حيث تنص المادة 41 من قانون الانتخابات الجديد على ضرورة إجراء هذا الاستحقاق.
أما قانون الضرائب الأول والذي قرر المجلس الدستوري إبطاله كاملاً فكان مخالفاً لمبادئ ومواد عدة من الدستور المواد "36، 83، 17، و7" ومبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والفقرة (ج) من مقدمة الدستور. كما وجاء إقرار قانون الموازنة لمرة واحدة استثنائياً من دون قطع حساب مخالفاً للمادة 87 من الدستور اللبناني.
واحتلت وثيقة الوفاق الوطني حيزاً واسعاً من الوعود الرئاسية، فنرى "تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، تطوير وثيقة الوفاق الوطني وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، وتثبيت اللامركزية الإدارية محوراً أساسياً تطبيقاً لوثيقة الوفاق". وهي الوعود التي يمكن أن نضعها في خانة غير المنجز ولا بوادر لإنجازه. فمن أهم بنود هذه الوثيقة التي تُعرف بـ"اتفاق الطائف" (إلغاء الطائفية السياسية، بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية) ويكفي هنا التذكير بمختلف التشكيلات التي حصلت خلال العام الأول من العهد، والتي لا زالت المبادئ التي بُنيت عليها معرض جدل سياسي بين الأفرقاء، كونها لم تحترم مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بل كانت طائفية بل حزبية في أغلب الأحيان، ويشهد على ذلك الصراع القائم حتى االيوم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على خلفية التعيينات. أما بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها فلا زالت المربعات الأمنية الحزبية تتربع على كامل الأراضي اللبنانية ولا زال الرصاص الطائش والسلاح المتفلّت يحصد أرواح العشرات سنوياً.
وأي "وحدةٍ وطنية" وعدنا الرئيس بـ"الحفاظ عليها" وديوك الطوائف لا توفرّ فرصة لنبش أحقاد الماضي ونبش القبور حتى. وفي بند "تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة وحماية وطننا" نعيد استذكار إنجاز معركة الجرود. وتصب وعود "قيام دولة المواطنة، إرساء الشراكة الوطنية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية، وتفعيل دور المجتمع المدني" في خانة عدم المنجز، ولا بدّ هنا من الإضاءة على التوقيفات الكثيرة التي حصلت خلال العام الماضي بحق ناشطي المجتمع المدني على خلفية التعبير عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
المضحك المبكي هو وعد "تأمين والحفاظ على بيئة طبيعية نظيفة" فيتجه العهد إلى التمديد لسياسة المطامر وردم البحر بالنفايات، وقد أمهلت الحكومة في جلستها الأخيرة مجلس الإنماء والإعمار 15 يوماً من أجل إعداد دراسة توسعة مطمرَي برج حمود ــ الجديدة والكوستابرافا، ما يعني حُكما ردم المزيد من البحر، رغم الأضرار الجسيمة الواقعة على البشر والبيئة البحرية على حد سواء، ما يشكل مخالفات للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان لحماية البحر الأبيض المتوسط وعلى رأسها "اتفاقية برشلونة".
اللاجئون والنازحون
وعلى صعيد اللاجئين نتذكر وعوداً بـ"معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة إلى سوريا، منع تحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية، وتثبيت حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتنفيذه" وهنا نرى أن البند الأول يتم العمل عليه، عبر دعوات الرئيس عون الدولية المتكررة لضرورة معالجة أزمة النزوح السوري في لبنان، ولا ننسى الموقف "القوي" الذي ردّ فيه عون في كلمته امام الجمعية العمومية للامم المتحدة على دعوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى توطين اللاجئين في المناطق الاقرب اليهم مؤكدا "أن لبنان لن يسمح بالتوطين لا للاجئ ولا لنازح مهما كان الثمن والقرار يعود لنا وليس لغيرنا".
أما البند الثاني فلا زالت بعض المخيمات إن لم نقل معظمها بمثابة مربعات أمنية تشكل أخطاراً محدقة بالمناطق اللبنانية المحيطة بها، مع شبه استحالةٍ لتنفيذ الوعد الثالث.
دولياً
وكان للصعيد الدولي حصته من وعود القسم الرئاسي، والتي نصت على "إبتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، واعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي".
وإن كنا قد سلمنا بتنفيذ البند الثاني، فلا يمكن إلا التوقف عند عدم إنجاز البندين الأول والثالث، إذ لا يبدو لبنان مبتعداً عن الصراعات الخارجية تحديداً السورية منها وإن كنا سبق وتطرقنا إلى مشاركة حزب الله بالحرب السورية وغيرها من حروب المنطقة، فلا ننسى لقاء نيويورك بين وزيري الخارجية اللبناني والسوري جبران باسيل ووليد المعلم الذي أشعل فتيل الفتنة بين أفرقاء التسوية، هذا إذا غضضنا النظر عن حملات الحج العلنية وغير العلنية للسياسيين اللبنانيين منها إلى سوريا، السعودية وغيرها وما يترتب حولها من صراعات داخلية.
إذاً، ومع هذه الحِسبة يمكننا القول أنه يُسجل للعهد في عامه الأول إنجاز ست وعود ونصف، من أصل 32 وعد، نتمنى لصاحب العهد أن يحققها كاملةً أو يضعها على سكة التنفيذ خلال السنوات الخمس المتبقية له في سدة الرئاسة، وكل عام وأنت سيدي الرئيس إلى تحقيق الوعود أقرب.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News