المحلية

placeholder

طارق حسون

ليبانون ديبايت
الأحد 17 كانون الأول 2017 - 13:09 ليبانون ديبايت
placeholder

طارق حسون

ليبانون ديبايت

بحصة عند ضفة النهر...

بحصة عند ضفة النهر...

"ليبانون ديبايت" - طارق حسّون

العرف الدستوري المعمول به في لبنان منذ العام 1943 يفترض بأن يكون موقع رئاسة الحكومة حِكراً على ممثل الطائفة السنية في لبنان. الأمر لا يتعلّق فقط بممثلّهم من الناحية الشعبية والنيابية لحظة التكليف، وإنما في من يمثّل وجدانهم لحظة التكليف، وخلال التأليف، وطيلة المسار الحكومي.

عمر كرامي رئيس الحكومة في كانون الثاني 1991، غيره عمر كرامي رئيس الحكومة في شباط 2005، ونجيب ميقاتي رئيس الحكومة في ايار 2005 هو غيره نجيب ميقاتي رئيس الحكومة في اذار 2013...وهلّم جراً.

عمر كرامي 1991 كان يتولّى رئاسة الحكومة كممثل عن السنّة، امّا في العام 2005 فاستقال من منصبه تحت ضغط الشارع السنّي نفسه، والأمر ذاته ينطبق على الرئيس ميقاتي في حالته الأولى والثانية.

هذا لا يعني بأن عمر كرامي لم يعد وريث عائلة سياسية سنية لها ثقلها التاريخي، ولا يعني بأن ميقاتي لم يكن صاحب خدماتٍ كثيرة وتأييدٍ شعبي محلّي، وإنما يعني بأن الوجدان السنّي لم يعد يتقبّل هذا وذاك، في توقيتٍ سياسي مغاير للتوقيت السابق الذي اوصل كرامي الى زعامة الطائفة السنّية في مرحلةٍ من المراحل، واوصل ميقاتي الى الندوة البرلمانية كممثّل للطائفة السنية في مرحلةٍ سابقة ايضاً.

الأمر إذاً لا يتعلّق بماضي الشخصية ولا بإرثها السياسي السابق، وإنما في مدى تطابق وتقاطع سياستها الحالية طيلة المسار الحكومي، مع وجدان الطائفة السنّية.
من هنا فإن الخطأ المنهجي الأول الذي وقع به بعض من قبِل التكليف، هو في انه استند الى ارثٍ حاضر او سابق بُني على اسسٍ سياسية مُعينّة، من اجل إتّباع سياسةٍ جديدة مناقضة للسياسة التي بُني عليها هذا الإرث بالأساس. في الحالة تلك تؤول سياسة رئيس الحكومة الى الاستقالة او العزلة الشعبية، وهذا ما جرى بالضبط مع الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي في المرحلة الماضية.

امّا الخطأ المنهجي الثاني، فيتعّلق بمدى تطابق سياسة رئيس الحكومة مع الحراك الشعبي السنّي إقليمياً وصيرورته التاريخية، فالطائفة السنية في لبنان كسواها من الطوائف التأسيسية الباقية تتماهي بشكلٍ او بآخر مع الرياح السنية التي تهب في الإقليم، وهي رياح تصطدم بالبنيان الإيراني واذرعته في المنطقة، في حين ان تجربة الرئيسين كرامي وميقاتي، وبعكس اتجاه الرياح السنية في المنطقة، قد عولّت على هذه الأذرع الإيرانية من اجل تثبيت موقعها في رئاسة الحكومة، وهذا ما افرغ رئاستهما للحكومة من مشروعيتها السنّية، وجعل رئاسة الحكومة منصباً سنياً، وإنما لغير مُسّمى طائفي.

والخطأ المنهجي الثالث يتعلق بمدى تطابق سياسة رئيس الحكومة مع اتجاه صراع المحاور في المنطقة، وهو صراع يحمل وجهتين اساسيتين: الصراع السني-الشيعي، والصراع العربي-الفارسي. من هنا فإن اي خطوة يخطوها حزب الله باتجاه الانخراط في المحور الإيراني/الشيعي بمواجهة المحور العربي/السني، تُحتّم على رئيس الحكومة ان يخطو خطوةً مواجهة لها باتجاه الانخراط في المحور العربي دون هوادة، وإلاّ فإنه يفقد بُعده العربي تدريجياً على اعتبار ان موقف الحياد في الحالة تلك يعني، بالنسبة للدول العربية، تواطئاً ضمنياً مع المحور الإيراني، وهذا ما يُوقِع رئاسة الحكومة اكثر فأكثر تحت تأثير المُنتظم الإيراني.

وبالتالي فإن النأي بالنفس يُفترض ان يكون حاسماً وبالاتجاهين، لا ان يكون احد الأطراف منخرطاً حتى العظم في ازمات المنطقة، والطرف الآخر محايداً ومتفرجاً ونائياً بنفسه، ومُعطياً لجمهوره وللدول العربية الحليفة حُججاً واهية لا تركب على قوس قزح يُبرر بها سياسته، ومحاولاً من خلالها التعمية عمّا يحوكه من صفقات سياسية او اقتصادية تعطيه جرعاتٍ علاجية مؤقتة.

باختصار شديد، يعتقد احد رؤساء الحكومة انه بإثارة الغبار ورمي الاتهامات يميناً ويساراً، يمكنه عبور ضفة 14 آذار باتجاه ضفة الوسطية او ضفة 8 آذار تحت ستارٍ من الدخان الدعائي الكثيف، متناسياً ان الاتجاهات الداخلية والاقليمية التي امنّت له وجوده في هذا المنصب واستمراريته وشعبيته بالأساس، تتناقض جوهرياً وجدلياً مع هذا المنحى.

في لبنان مثل يقول :"مش السّر ع اللي بيغدّي، السّر ع اللي بيهدّي"...وليس السّر في من ينتقل تحت جنح الظلام وجنح البحص من ضفةٍ سياسية الى اخرى متوهماً بأن احداً لن يتنبّه او يرى، او متوهماً بأن جمهوره سيلحق به الى الضفة الجديدة، وإنما السّر في ان "يُهدّي" في موقعه الجديد وان يحافظ بالتوازي على منصبٍ حصل عليه عندما كان في الضفة الأولى، وسيفقده حتماً ما إن يطأ الضفة الثانية. فهل من يتعّظ؟...علماً ان المنتظرين عند ضفة النهر كُثر هذه الأيام، والمصطادين في الماء العكر اكثر... والسلام

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة