"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
ثمة طرف خيط "مجهول" يكمن في القصة الجاري ترويجها للشبكة التي اوكلت مهمّة اغتيال القيادي في حركة حماس، محمد حمدان، الفاشلة، في صيدا يوم 14 كانون الثاني الحالي، تكمن في ملاحظة قلّة احترافيّة المجموعة المنفّذة، لا بل وقوعها في عدة "جُوَر" تعكس مدى غباء اعضائها.
المعيار المعتمد في تجنيد ادوات تنفيذيّة لصالح اجراء هذا النوع من الاعمال تَلحظ نوعيّة خاصة من الاشخاص ذوي القدرات، الذين يجري تطويرهم عبر اخضاعهم لدوّرات تدريبيّة بعد تجنيدهم تعزّز قدراتهم وتقدم لهم نماذج فريدة في كيفيّة التعامل مع الاحداث بهدوء، وهو ما يجعل منهم عادةً اشخاص محترفين تساعدهم خبراتهم على الافلات من الثغرات خلال ادائهم لوظيفتهم، ما يكفل الابقاء على مسرح الجريمة نظيفاً، وهو واحد من قائمة ضرورات اساسيّة تكفل نجاح المهمة قبل وبعد تنفيذها.
وخلال برامج التدريب التي تقوم بها الجهة المجندة لوسطائها يُركن وعلى نحوٍ اساسي، إلى نماذج تدريب فنّية تساعد العميل على القيام بمهمّته ضمن قدرٍ واسعٍ من الدقّة، وتركّز في حيزٍ واسعٍ منها على تقنيات ذاتيّة تَجعل منهُ مدركاً لعدم ترك ثغرات، ومهتماً بمسح منطقة عمله وتأكّد خلوّها من أية شوائب.
في هذه الخطوات مصلحة ليس فقط لحماية "المصدر" بل في حماية ظهر من يشغّل المصدر الذي يسعى –طبعاً- للابتعاد عن الشُبُهات. وهذه البديهيّات المجتمعة لا يُلحظ أنها اتبعت في محاولة اغتيال حمدان أبداً.
جرى ترويج سيناريو يقوم على شبكة مجنّدة من قبل الموساد الاسرائيلي للقيام بالاغتيال، عقلها المدبّر لبناني من طرابلس يبلغ من العمر 38 عاماً يدعى محمد بيتيّه، عمل لسنوات في الجهاز الأمني الخاص بالسفارة البريطانية ثم تفرّغَ بعد ذلك لتأسيس عمل خاص به بين لبنان وهولندا.
يستند اتهام الارتباط بالموساد على طبيعة عمل "بيتيّه" السابق، اذ تتوفّر فيه شروط الاحتاك مع الموساد أكثر. ولكون الشخص المستهدف يتبَع لحركة تتبنّى مقاومة العدو الاسرائيلي، جرى ربط حادثة اغتياله بالكيان الصهيوني الذي له المصلحة بتكليف مجموعة ميدانيّة للقيام بعمليّة الاغتيال، لكن هل وضَعَ المعنيون فرضيّة دخول طرف ثانٍ على الخط؟
لا نقدم الفرضية الثانية من باب تبرأة اسرائيل أو اشاحة النظر عن اتهامها، بل لأن الوقائع السياسية السائدة حالياً تقود إلى وجود تقاطع مصالح في ضرب حركة حماس، ولعل لبنان بيئة مثالية لهذا الضرب.
قبل فترة، صبّت انتخابات الحركة لصالح قادة محسوبين على الجناح العسكري (كتائب القسام) منه الى السياسي، يتمتعون بعلاقات طيّبة مع طهران وحلفائها.
بعدها بوقت قصير، عين صالح العاروري نائباً لرئيس المكتب السياسي لحماس، والذي استهلَّ باكورة عمله بزيارة إلى الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، ما اعتبر رسالة بالغة من حركة اتهمت بأنها انجرفت في تيار الربيع العربي وخرجت "تكتيكياً" من محور المقاومة.
وللعلم، فإن تغيّر الاولويات وتبدّلها بالنسبة إلى حماس من دعم "الثورات العربيّة" إلى العودة لفلسطين، قد قَلَبَ المُعادلات بالنسبةِ للدول التي رَعت الحركة في خروجها وبنت على استثمار الخروج، ومثّل انقلابها وعودتها إلى جذورها الاصليّة ضربة استراتيجيّة – سياسيّة – معنويّة لا يُستهان بها، ما زاد من اعداء الحركة.
وبناء على ذلك، يصبح توجيه ضربة لحماس مسألة فيها تقاطع مصالح بين اسرائيل (العدو الام) وبعض الدول العربيّة التي رأت في "التفافة حماس" ضرراً بالغاً على سياساتها. وليس مستغرباً أن تُقدم على الانتقام خصوصاً إذا ما رصد أن الحركة بصدد العودة إلى "حضن حزب الله" المغضوب عليه خليجيّاً.
عند هذا التقاطع، أتت عملية اغتيال حمدان التي فشلت في نهاية المطاف، ما يفتح الامكانية لدخول عامل غير اسرائيلي إلى القضيّة، كيف؟ يمكن افتراض ذلك من خلال قلّة الاحتراف التي ظَهرت على الخليّة وابتعادها عن أدنى مستوى من الحرص الامني المطلوب، في صورة لم تعهدها سابقاً الاستخبارات الاسرائيليّة الشهيرة بالتكيّف بمحيط العمليات دون ترك أي اَثر.
التصقَ العقل المدبر بمصادر محليّة من العامة، بنى معهم علاقات من أجل تبرير وجوده في مسرح العمل بغية القيام بعمليّات مراقبة واستعلام عن الهدف، ما قدمَ دليلاً أمنياً استفادت منه على أكمل وجه الجهة المحقّقة التي بالاستناد إلى اشرطة كاميرات الفيديو المرفوعة من الاجهزة المثبّتة ضمن نطاق العمليّة، نجحت بتتبّع حركات الأفراد وصولاً إليهم.
نظرياً، نفذت اسرائيل عدة عمليات اغتيال في قلب ضاحية بيروت الجنوبيّة، سابقاً، اتسمت بالدقّة وغياب البصمات والثغرات عنها.
على سبيل المثال لا الحصر، جرى اغتيال القياديين علي صالح (2002) وغالب عوالي (2004) والاخوين المجذوب (2006) بنفس الطريقة تقريباً، من دون تمكن أي جهاز أمني من الوصول إلى خيوط تقود للمجرمين المنفّذين جميعهم.
والعام 2013، اقدمت مجموعة على اغتيال القيادي في حزب الله حسّان اللقيس فجراً عند مدخل منزله في الضاحية باطلاق النار عليه من مسافة صفر، ثم لاذت بالفرار من دون أن تتركَ خلفها أية بصمات أو أدلة تذكر، أو أن يسمع أحد من القاطنين أي صوت، ومن دون أن يعلم أحد وجهتها، في عملية بلغَ فيها مستوى الاحتراف حد القول إن من نفذها هم عناصر أتوا من خارج لبنان!
الامور تنعكس في ما خصَّ محاولة اغتيال حمدان، إذ إن الشبكة تركت خلفها من الأدلّة والبراهين اكثر مما اخفت، أي كميّة تكفي لفضحها، خاصةً حين يُلحظ أن جانباً من الادلّة التي تُركت، تدل على غباء وجهل موصوفين للاعضاء، اذ خلال عملية تقصّي المعلومة عن "بيتيّه"، يَتبيّن أنه قد استأجر منزلين، واحد في طرابلس وآخر عند واجهة بيروت البحريّة باستخدام اسمه المدني، ما اوصلَ الاجهزة الامنية اليهما بسهولة.
وعند مداهمتهما، صادر فرع المعلومات الذي تولّى بنفسه التحقيق في الدائرة الاوسع من القضيّة، أجهزة اتصال ووثائق، تقول مراجع إنها قادت إلى "الجزم بضلوع الاستخبارات الاسرائيليّة بالعمليّة وليس تأكيد ضلوعها".
وهناك موضوع حركة عناصر الشبكة التي كانت واضحة بدقة عالية عند استخراج اشرطة كاميرات المراقبة التي رفعت في المكان، إذ لم يظهر، بحسب معلومات خاصة، استخدام المنفذين أية تدابير أمنية تصعّب التعرّف عليهم بل كانوا ظاهرين وبشكل واضح في مسرح العمليات!
السؤال، هل منطقي أن يَترك عميل مدرّب على تنفيذ عمليات اغتيال براهين قاتلة من هذا النوع وراءه قد تسهّل الوصول إليه، ثم يخرج من البلاد وكأن شيئاً لم يكن؟
ترجح جهات معنيّة أن العناصر المحترفة لا تقع بهذه الاخطاء الفادحة أبداً إلا في حال انكشاف أمرها، فتسارع عندها إلى المغادرة والخروج. واستناداً على عمليات اتهمت اسرائيل بالقيام بها سابقاً، يتضح أن الاختلاف بين هذه العملية وما سبقها عميق جداً حد الاعتقاد أن المجموعة المنفذة، إما أنّها مجندة من جهاز غير الموساد، أم أنها جندت من قبله لكنها اقترفت اخطاء فادحة تعود إما لقلّة الخبرة أو لوقوع من يقودها في اختلال فكري وتسرع وخوف قادوا إلى انفضاح امره بسرعة قياسية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News