"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
لا يترك رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري فرصةً إلّا ويذكرنا بعلّات احتجازه في العاصمة السعودية الرياض في تشرين الثاني 2017. التذكير لا ينطق باللسان العربي الفصيح ــ الصريح لكون صاحبه لا يريد الإقرار به نسبة لكبر البحصة، بل يحضر التذكير من باب الممارسة.
يوم أوقف الرئيس الحريري في فندق "ريتز كارلتون" بصحبة ثلة من الامراء السعوديين من خلال مكيدة دبّرت له، جلس هناك منزوع القدرات والصلاحيات على الرغم من انه كان رئيساً لمجلس الوزراء مدعوماً بكتلة نيابية منتخبة جرارة أعطته حصرية تمثيل طائفته، وخلفه قوى سياسية أساسية طالبت به.
مع كل هذه الحصانات "الطنانة الرنانة" لم يرف للسجّان السعودي جفن، بل انتزع الحريري واجبره على الاستقالة، ولو لم ينشأ حراك داخلي عماده بالدرجة الاولى رئيس الجمهورية وحزب الله، مصحوباً بآخر اقليمي مصري ودولي فرنسي، لكان الحريري يقطن اليوم في منفى يختاره.
جراء ذلك عاد الى بيروت، وبدل ان يبادر صوب من وقف الى جانبه خلال محنته، انهال عليهم اتهامات وهجمات خلال فترة الانتخابات من دون حتى أن يأنبه ضميره بمجرد ان وسوس اليه برد الحد الادنى من الجميل. أما الجديد، إذكاء عملية اقصاء السنّة من خارج كتلته، وتطبيق ما اختبره في الرياض عليهم عبر محاولة اقصائهم واحتجازهم وسلبهم حقهم بالتمثيل وحجز حريتهم.
إنها متلازمة الرياض التي اصيب بعوارضها الرجل، فبات لا يقيم وزناً لا لصلاحيات ولا لحصانات ولا لأرقام جعلت من اشخاص ممثلين لشرائح، وبات يضرب بعرض الحائط احقية التمثيل بكل ما تحمل من اوزان واحجام. وعلى اساس هذه العوارض أسس لنفسه فكراً سياسياً خاصاً يقوم على إنكار حق غيره، تماماً كما تمارس السعودية السياسة على اساس انكار حق غيرها وسلبهم قدراتهم، على شاكلة نزلاء الريتز.
مدعاة الحديث اعلاه هي الاساليب التي عمّم رئيس الحكومة المكلّف ممارستها على أبناء جلدته من النواّب السُنّة المنتخبين، الذين حصدوا 38% من اصوات ناخبي طائفتهم ذهبت لصالح 10 نواب، توحّد 6 منهم ضمن تكتّل نيابي أعلن عن نفسه أخيراً. فأقل الايمان أن يمثّل النواب الستّة بوزير إن لم نأخذ حق الكسر الأعلى.
لكن الحريري ضرب يده على الطاولة ناكراً حق هؤلاء، ليس من شيء إلا لإرضاء السعودية التي ترى ان حزب الله يخرق البيئة السنية بنواب سنة! وهذا ما قد يتسبّب بإدخال عقدة جديدة الى قائمة العقد، يتوقع ان تكون أنكأ وأشد وطيساً من العقدتين المسيحية والدرزية موضع الجدل اليوم.
التأم يوم أمس الأول النواب الستّة في منزل رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي في الرملة البيضاء. هذا الاجتماع الثاني لهم. الدعوة اليه جاءت إثر تعنّت الحريري وعدم منحهم وزيراً، لكن هناك من يسرّب أن الدافع الأكبر صوب تعزيز اللقاءات وتفعيلها جاء بعدما ابلغ هؤلاء النواب أن الحريري جادّ برفض توزيرهم ولا يأتي من باب المناورة ابداً لذا عليهم التحرّك.
كانت ذريعة الحريري تقوم اساساً على ان النواب السنة من خارج كتلته ينتمون الى تكتلات نيابية متعددة، لذا ليس هناك ما يجبره على توزيرهم. من هنا، تقول مراجع لـ"ليبانون ديبايت" إن قطباً اساسياً رفيع المستوى همس بأذن بعضهم لضرورة الانضواء ضمن تكتل نيابي واضح، فتشاوروا واستطاعوا ان يؤمنوا توحداً ضمن حلقة من 6 نواب.
لم يظن النواب الستة أن الحريري ذاهب في المعركة "الى الآخر". راهنوا على خطوة مد اليد اليه وتسميته من قبل غالبيتهم لتشكيل الحكومة كخطوة ارادوا منها تخطي مرحلة الانتخابات وافرازاتها والمحافظة على الموقع السني الاول في الدولة. وكان الاعتقاد الراسخ لديهم أن الحريري قد يعدل عن قراره بمجرد اقتراب موعد اعلان ولادة الحكومة، لكن تبين لهم العكس.
مصادر النواب لا تخجل من ترداد عبارات الغدر الذي طاولهم. لم يظنوا ان تصل الامور الى هذا الحد. وطالما ان الامر قد حدث فهم لن يقفوا متفرجين.
تفيد معلومات "ليبانون ديبايت" أن قراراً قد اتخذ خلال "اجتماع الرملة البيضاء" للتصعيد السياسي، وأن مهلة قد اعطيت لمن يهمه الامر من أجل تحريك ملف توزير السنّة المعارضين قبل ان يتحول الملف الى عقدة. وللغاية، سيعقد النواب الستة لقاءً عند الثانية عشرة ظهر الثلاثاء المقبل في مجلس النواب، لرفع الصوت من على منبر السلطة التشريعية. ووفقاً للمعلومات، سيكون رفع الصوت بمثابة إنذار أول "للتلويح بالتصعيد، وعلى أصحاب الشأن تحمّل المسؤوليات بعدها".
الاستدلال على هذا التصعيد ليس سراباً. ففي رصد لمواقف الثنائي الشيعي وخصوصاً كلام وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل الاخير وتقاطعها مع مصادر المجتمعين في الرملة البيضاء تصل الى خلاصة واضحة أن "حزب الله وحركة أمل لن يكونا في منأى عن أي نزال حول حصة حلفائهم".
وفي المعلومات، "تضج أوساط سياسية بتسريبات حول الحراك المتوقع السير به". وتشير الى أن نقطة الصفر ستحدّد يوم الخميس المقبل المرجح أن يحمل لهجةً تصعيدية، وهو موعد للاجتماع الثالث لـ"مجموعة الست" التي ستقيّم الإجراءات بناءً في ضوء ما نتج عنه "حراك الثلاثاء".
ويتردّد أن حزب الله فاتح الحريري، سابقاً، عبر قنوات اتصال معينة، بضرورة الاخذ بحصة النواب السّنة المستقلين بعين الاعتبار، تصرّفها مصادر على انها "أحد أنواع لفت النظر قبل وقوع الواقعة".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News