"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
قبيل فترة الانتخابات النيابيّة شهدَ خط بيروت – الرياض زحمة سير بسبب حركة اللبنانيين المطالبين بمِنح ماليّة يؤمل صرفها في الاستحقاق، فما كان من صاحب بيت المال السعودي إلا أن وقفَ أمامهم ووضع كلتا يديه في الجيب ثمّ اخرجهما دفعة واحدة ورفعهما نحو الأعلى وقال "لا أموال عندي!".
في تلك اللحظة ظهرت للمطالبين جيوب فارغة. اعتبر كثيرون أنهم قصدوا الوجهة الخطأ لكون السعوديّة لم تعد تَقيس الأمور كما كانت تفعل في السابق بعدما أصبح لديها اهتمامات أخرى كاليمن مثلاً، حيث تُصرف الأموال هناك بالدراهم والدنانير. آخرون اعتبروا أن السعوديّة تقدر على صرف الأموال في لبنان لكنّها غير مستعدّة لصرف فِلس واحد في مشروع/مشاريع ثبت فشله/فشلها.
يعني ذلك إن الإدارة السعوديّة غيّرت وبدّلت في نظرتها للتعاطي والتعامل السياسيين مع الحالة اللبنانيّة. وهذا الانقلاب حَدَثَ في زمن التبدّلات الواسعة التي تخوضها المملكة، أي زمن توريث الآباء الحكم للأبناء، ما يفرض دفن الاساليب القديمة في التّعاطي وإستيلاد أخرى جديدة تتلاءم ونظرة الطارئين على المُلك.
ليس السعوديون الوحيدين في استخراج نمط التفكير هذا، فالإماراتيون يسيرون على ركبهم. هؤلاء وإن حصروا شق الدعم المالي بأطراف مُحدّدة على قلّتها، لكنّهم وسّعوا من دائرة انتشارهم من خلال الاستثمار في مجالات أخرى مثل الجمعيّات الاهليّة - الخيريّة - الانسانيّة التي تتطوّر وتنمو بشكلٍ لافت في المناطق اللبنانيّة.
وكما الوضع عند الامارات كذلك في السعوديّة التي يبدو انها تحذو حذو التجربة الاماراتيّة مع احاطتها بعناية أكثر، إذ باتت تحصر مكرماتها الماليّة بشقوق أهليّة ــ اجتماعيّة مُحدّدة. وفي بعض الاحيان يجري تجاوز العرف إلى تقديم مساعدات عينيّة على شكل يشبه المناقصات المشهورة في لبنان، أي توكيل قطاعات سعودية بشكل محدود لصالح شركات محسوبة على شخصيّات لبنانيّة مؤثرة في سبيل إرضائها أو جذبها.
القاعدة أعلاه إستفاد منها صاحب ومالك مؤسّسة إعلامية مرئيّة ذات إنتشار، وجد ضالّته في دعم سعودي أتاه على شكل ناعم.
يعود نتاج ذلك إلى زمن جولة قام بها القائم بالأعمال السعودي في بيروت الوزير المفوّض وليد بخاري على مباني عدد من وسائل الاعلام المرئيّة، كانت "فاتحة خير" أرادها القائمون على تلك المؤسسات أن تأتيهم بعلاجات طويلة الأمد لمشاكلهم الماليّة لا حُقن ذات مفعول قصير.
بعد فترة قليلة، ظهر أن الزيارة بدأت تؤتي ثمارها، إذ أن قناة الجديد مثلاً، خصّصت خلال حفلة "فنجان القهوة 2" مساحة واسعة لتغطية اعلاميّة مباشرة وخاصة للفعاليّة التي لم تُهضم أصلاً في المملكة، ما أرخى على اسئلة حول السرّ الكامن خلف هذه النقلة النوعيّة من وسيلة اعلاميّة توجّه نقداً لاذعاً للسعوديّة إلى وسيلة تطبّل وتزمرّ لحفلة قهوة شبّهها البعض بحفلة شاي مرجعيون، على الرغم من اختلاف الظروف والحضور والمكان.
يتردّد أنه وخلال الفترة التي تلت جولة بخاري، دُعي الاخير إلى مأدبة طعام في منزل يقع في منطقة على تماس بين الجبل والساحل يملكه صاحب قناة. كانت الزيارة بادرة خير لتحسين الخطوط. جرى خلالها تناول فضلاً عن الطعام مواضيع وملفات سياسيّة محليّة وعلى صعيد المنطقة، ما فتح باباً للضيف لسؤال عن طبيعة علاقته مضيفه مع دولة قطر، فبرّرها بأن "لا علاقة شغل مع القناة، وتحصر في وكالة استحصل عليها أحد ابنائه لتوظيف شركته في قطاع تربوي".
خلال الجلسة، استطلع الضيف حال القناة التلفزيونيّة وسأل عن أسباب عدم انتقالها من طراز البث القديم إلى تقنيّة HD، فبرّر المضيف أنه "يفضّل أن تبقى قناة يشاهدها الفقراء لا الكووليتي!". حمل كلام الضيف إيحاء واضحاً حول وجود نيّة للسعوديّة في تقديم الدعم على شكل ملف تطوير العمل داخل استديوهات القناة واجراء تحسينات على مبناها لا أكثر.
لكن يبدو أن مالك القناة يريد أن يُبقي جذور العلاقة مع السعوديّة ضمن حدود المعقول، وربما لا يريد أن تُفرّخ من حوله اتهامات تؤدّي إلى ابتعاد شريحة واسعة من جمهور القناة عنها كما حصل مع قناة المستقبل قبلها.
الأكيد أن السعودية فهمت الاشارة والحرج، فأرسلت له اقتراحاً ثانياً ربّما يجده انسب لكونه يستند إلى القاعدة التي تعمل شركاته عليها في قطر، أي تجيير فوائد عمل تذرّ عليه أموالاً.
استنسبت السعودية أن تعطي زوجة مالك القناة السيدة س.ت.خ ترخيصاً لشركتها النشطة في مجالي تنظيم وترتيب الاعراس واعداد الحفلات للعمل في المملكة يُمنح عبرها تعزيزاً للبزنس الخاص به، ما يعني أنها توفّر له دعماً ماليّاً بالمواربة.
وقد وضع عند فنادق ومطاعم فاخرة توصية تقضي بالتعاون مع شركة الزوجة وتفضيل منحها حقوق تنظيم الاعراس التي ترد طلباتها إلى هذه الصروح والمؤسسات.
هكذا إذاً تحوّلت السعودية من بنك إلى مؤسّسة تمنح المكرمات على شاكلة جوائز ترضية لا تدفعها من جيب ثروتها بل من الجيب العام!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News