"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
بشكلٍ مفاجئ سقطت على بيروت "مبادرة فرنسية" لم يَكن أكثرُ السّياسيين متابعةً للملَف الحكومي على علمٍ بها. حتى ينقل عدم معرفة "قصر الصنوبر".
رُفعت زيارة قام بها السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، الى رئيس الجمهورية ميشال عون، من الزيارة العادية الى مصافٍ هامة جداً. ما رفع من قيمتها عدّة أمور:
- لقاءات أجراها فوشيه مع سياسيين قبل الزيارة (ينقُل أنّ غايتها الدّفع لتشكيل الحكومة)
- تسريبات صحافية تَحدّثت عن "مُبادرة" تقودها فرنسا بغية إيجاد حل لأزمة التّشكيل.
و يتردّد أنّ رئيس الجمهورية طلب مُساعدة فرنسا في هذا المجال.
مما زادَ من إدراكِ البَعض وجود "مبادرة"، هو كلام قاله السّفير الفرنسي من بعبدا، أنّ بلاده "تُبدي إهتماماً خاصاً بموضوع تشكيل الحكومة".
قبل أن يَسري الحديث عن المُبادرة كالنار في الهشيم، وَرَدت الى بيروت عدّة رسائل فرنسية و أوروبية على شكلِ حث ونصائح في مرّات. ويتردّد أنّ دُوَلاً لها مكانتها في المجتمعِ الدولي مارست ضغوطاً على المسؤولين للإسراعِ في تشكيلِ الحكومة، وكانَ السّبيل الأمضى من أجلِ بلوغ الغاية هو التّلويح بخسارة كل المساعدات التي وعدَ بها لبنان.
في الفترةِ التي سبقت "زيارة فوشيه"، تلقّى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، نصيحة فرنسية بشأن الإسراع في التَّشكيل، مضافٌ إليها مَطلب يقضي بضرورة "مُراعاة السّعودية وعدم إغضابها"، وهذا نابعٌ من الحِرص الفرنسي على الحريري الذي ظهرَ بشكلٍ واضح خلال مِحنَته الأخيرة في الرياض.
و بالإستناد إلى رأي عاملين على خَط التّشكيل، فالرياض ستكون في آخرِ المَطاف مُضطَرة للقبول أي حصة في الحكومة تتناسبُ مع التّوازنات الجديدة في المنطقة.
هذا الحرص يُمكن ترصّد سبيله في أكثرِ من مكان، بحيثُ يتردّد أن فرنسا وعبر سفيرها في بيروت حاولت "تليين" مواقف بعض "الأصدقاء" حكومياً إفساحاً في المجالِ أمام إتمام مُهمّة الحريري.
يقولُ أحد السّياسيين أنّ فرنسا كانت منذُ إنتهاء الإنتخابات تُؤيّد إنتاج حكومة سريعة في لبنان "بإختلاف صيغتها" شرط أن يَرأسُها الحريري. وقد قدم من أجلِ تدعيم موقفَه إشارة واضحة أطلقها فوشيه بُعَيد الإنتخابات حول "تأييده تشكيل حكومة أكثرية" عزياً السبب في ذلك الى "الديمقراطيات التي تَقوم على منطق.. الفائز يحكم".
في تفسيرِ السّياسي أن مدعاة إطلاق فوشيه لهذا الموقف "مدروسة" وناتجة عن علمٍ تكون لديه من صعوبة إنتاج حكومة وحدة وطنية نظراً لتدخّل مطالب وشروط العناصر الفائزة في الإنتخابات بعضها بعضاً، وبنسبةٍ أُخرى وجود مُطالبة خارجية تدعم مواقفهم.
ما يُعَد لافتاً، أنّه وبالتوازي مع النشاطِ الفرنسي، أطلقَ البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي دعوة لتشكيل ما أسماها "حكومة حيادية" او "إكسترا برلمانية". توقّف معنيون كثيراً أمام الإقتراحين خاصةً الثاني الذي يُشيرُ بوضوح الى خيارِ "حكومة أكثرية" التي سبق أن دعا الى تشكيلها الرئيس عون. أكثر من ذلك، أوحى كلام البطريرك أنّه على أهَب الإستعداد لتغطية خطوة كهذه، مع العلم أنّ علاقته ببعبدا ليست في يومها.
يُهمَس لدى عدد من المجالس السياسية أنباء عن حصولِ تقاطعات بين الموقف الفرنسي الأول الذي عَبّر عنه فوشيه بعد الإنتخابات، وموقف بكركي الجديد، ما أوصل إلى إعتقادٍ سادَ لديهم حولَ مُقاربة الموفقان خلال لقاء قد يكون حصلَ مؤخراً بين موفدين فرنسيين وبكركي، مَكّن سيدها من ترويج حل رشّحه البعض أن يكون متصل بالحراك الفرنسي الذي يبدو أنّه بات يجد صعوبةً في تشكيلِ حكومة "ائتلاف وطني" بعد ٥ أشهر من المحاولات العقيمة.
لكن مرجع سياسي آخر يقلّل من قيمة ما يَجري الحديث عنه، ويؤكد أن الحراك الفرنسي لا يرتبط بمبادرة أبداً، أقلّه وبحسب معلوماته "لا مُبادرة، بل دفع ودفع"، لكنّه من منطقٍ آخر يَرى أنّ فرنسا تُحاول تثبيت دورها التاريخي في لبنان.
الدّاعي لترسيخ وتثبيت هذا الدور اليوم لا يقوم على أسبابٍ داخليةٍ فقط، بل لأسبابٍ أُخرى كملاحظة باريس مثلاً صُعود لاعب مشرقي على السُّلم اللبناني، موسكو التي خاضت خارجيتها قبلَ فترة قصيرة لقاءات مع سياسيين لبنانيين دَعتهُم إليها وكان الحديث الرئيسي على المائدة "الملف الحكومي".
يُنقَل عن أحد الأقطاب نقله عبارات إمتعاض من الدّور الروسي المُستجد "الذي لم يكن موجوداً"، ليأخذ لنفسه حيزاً من أجلِ البحث عن أسبابِ هذا الدّخول وما وراءه. يتردّد إن هذا القطب الذي يُقيم علاقات جيدة مع السياسيين الفرنسيين، أوصل رسالة بالغة الدِّقة بهذا الخصوص الى معنيين مباشرين.
الأمر الثاني الذي يَدُل على تعاظم الدّور الروسي في لبنان ، يُمكن بسهولة الوصول إليه في خطةِ إعادة النّازحين التي طرحتها موسكو وتعملُ الدول الأوروبية على مُحاولة التّقليل من شأنها وإضفاء طابع عدم الجدية عليها.
ونذكر أنّ هذه الخطة حرّكت أكثر من ممثلية دبلوماسية من أجلِ إستطلاع مغزى الأدوار الروسية وطبيعة علاقتهم مع بعض السياسيين اللبنانيين، وقد إنسحبَ ذلك لإستطلاع مع صدر عن الوفد الروسي خلال زيارته الى بيروت قبل أكثر من شهر.
ويُقال أنّ هذه المبادرة أيقظت باريس من سُباتها السّياسي وأوحت لديها أن موسكو تسعى لترتيب دورٍ محوري - مُقَرّر، وذات نفوذ في بلدٍ تعتبر فرنسا ذات نفوذ فيه.
من منطقِ هذا القطب، أنّ فرنسا لا تتركُ الصّيغة اللبنانية عرضةً لنفوذٍ آخر، سيّما وإن كان هذا النّفوذ أقدر وأمضى ولديه الإمكانات على إستخراج حلول نسبة لوضع الجيد في المنطقة، لذا قرّرت التحرّك عند السياسيين من باب المَشورة مستفيدةً من معرفتها بمكانتها لَدى بعض هؤلاء.
ما يُمكن إستنتاجه من كلّ ما جرى الحديث به في الأيّام الماضية، أنّ اللبنانيين توّاقين للتدخلات الخارجية، وإنّ الطبقة السياسية لا يمكن إلا أن تحكم من الخارج أو يُفرَض عليها حلول من الخارج، بمعزلٍ عن إحتمالِ وجودِ مبادرة فرنسية من عدمه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News