شارك الإعلامي رياض طوق في ندوة حول "دور الإعلام في مكافحة التطرّف" عقدت في معهد الرئيس عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وذلك بدعوةٍ من سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى لبنان وبحضور القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد بخاري.
وفي كلمته قال طوق:"اذا كان عنوان اللقاء اليوم هو دور الاعلام في مكافحة التطرّف، فالعنوان الذي اخترناه هو الاعلام المتطرّف العنيف أي دور الاعلام في صناعة التطرّف، وفي تغذية العنف".
وتابع:"شرّفتني سفارة الامارات العربية المتحدة على رأسها سعادة الدكتور حمد الشامسي وطبعاً معهد دولة الرئيس عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالمشاركة في هذه الندوة التي وجب أن يكون موضوعها قد عولج لسنوات خلت، لأنني لن أخفي أنني في اطار عملي الذي ارتبط بقضايا ارهاب وتطرّف (طبعاً أتحدث عن عملي في الاعلام والصحافة الاستقصائية) لطالما اكتشفت أن للاعلام والاعلام المرئي خاصّة الدور السلبي الاكبر في تغذية التطرّف لا سيما في منطقتنا. في الشرق عموماً والعالم العربي خصوصاً".
وتطرّق طوق في كلمته الى ثلاثة مواضيع اساسيّة الا وهي "اعلام داعش"، "العنف الكلامي واللفظي"، "الاعلام التزام وطني ومسؤولية".
اعلام داعش
التجلّي الأبرز لظاهرة الاعلام المتطرّف، بدأ مع تنظيم داعش المتطرّف الذي كسر كل القواعد في البثّ والنشر. اذ بالرغم من العنف الذي رافق التحولات في العراق ايام أبو مصعب الزرقاوي الذي تمكّن من ان يكون الاول في العالم الذي صوّر عمليات قتل مباشرة، الا ان وسائل الاعلام كانت هي المتحكّمة بالمواد في نشرها أم لا. الا ان داعش الذي تعاظم نفوذه مع فورة التكنولوجيا، أصبح له قنوات خاصة مكّنته من نشر كل انواع الفظائع التي ارتكبها.
طبعاً الدعاية التي تعمّدها التنظيم في نشر ثقافة العنف واظهار نفسه على انه قاتل من غير رحمة، كان الهدف منها نشر الرعب في قلوب الجميع وهذا ما مكّنه من احتلال أكبر قدر ممكن من المدن والقرى من دون أية مقاومة.
الاعلام كان أحد الاسباب الاساسية التي أسقطت العراق في يد داعش ومكّنت بضع مئات من المسلّحين من احتلال نسبة 40% من ارض العراق في الموصل والانبار وصلاح الدين من دون اي مقاومة تذكر، لأنّ السمعة المتوحشة للتنظيم كانت قد سبقته.
اعلام داعش لم يكن وحده المسؤول عمّا جرى، بل الاعلام العربي كلّه، فقد كان الصحفيون ووسائل الاعلام يتسابقون الى من سيستحصل على مشاهد وصور مجازر داعش. هذا مردّه الى عدم وجود رقابة ذاتية، وغياب ثقافة عدم نشر العنف. وهنا نتذكّر جميعاً كيف كانت التلفزيونات العربية عموماً واللبنانية خصوصاً تتاسبق للوصول الى ساحة الانفجار لدى وقوع تفجير ارهابي لنقل مشاهد مباشرة مع ما يتضمّن ذلك من أشلاء بشرية للضحايا وجثث متفحمة ودماء متناثرة.
عندما اتحدث عن ثقافة عدم نشر العنف، أقولها في زمن انحطاط ثقافي ابتداءً من رأس الهرم ونزولاً. ففي بعض دول اوروبا تجد كيف أنّ القوى السياسية تتسابق لأخذ وزارة الثقافة من نصيبها، اما نحن (واليوم على ابواب تشكيل حكومة فنجد ان من يعاقب او يستبعد قد يحصل على وزارة الثقافة ولا احد يريدها). واسمحوا لي بالمناسبة ان اقول كلمة حقّ بأن وزارتي السعادة والتسامح في الامارات العربية المتحدة هي انجاز حضاريّ في منطقتنا فهنيئاً لكم).
هنا اسمحوا لي بمقارنة بين اعلامنا العربي وبين اعلام الغرب، ففي تشرين الثاني عام 2015 وقع الاعتداء الارهابي في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية فكان اعلامنا ينقل لحظة بلحظة صراخ الاطفال والجثث والاشلاء وقد كون انا واحد الاعلاميين الذي اعادوا بث هذه المشاهد في احدى حلقات برنامجي اللائحة السوداء على "ام.تي.في" بحيث كنت اربط بين تفجير برج البراجنة واعتداء ارهابي آخر وقع في باريس بعد يوم واحد من اعتداء الضاحية في "ستاد دو باري" و"مسرح باتاكلان"، وبالرغم من وقوع عشرات الضحايا الا انني عجزت لدى التفتيش في ارشيف الصحافة والتلفزيون عن الاستحصال على مشهد واحد لجثة أو لبقعة دماء. وجل ما استحصلنا عليه هو مشاهد لسيارات الاسعاف والشرطة او لمواطنين يضعون الزهور في اليوم التالي في مكان الانفجار.
هذا المشهد طبعاً هو نفسه تكرّر منذ 17 سنة في احداث 11 ايلول، فحتى اللحظة لم نر من الانفجار سوى الحطام والبرجين يتهاويان، اما الثلاثة آلاف الذين قضوا في الانفجار فسمعنا عنهم ورأينا صور بعضهم. الصور قبل ان يقتلوا.
هنا سألت بعض الزملاء العاملين في الصحافتين الفرنسية والاميركية، واستحصلت على بعض الاجوبة: اولاً هناك حرمة الموت ولا يحق لأحد ان يعرض صور لأشخاص من دون استئذانهم، فكيف اذا هم اموات، ثانياً هناك مشاعر ذوي الضحايا من اقارب واصدقاء ولا داعي لعرض ابنائهم أشلاء مقطّعة، ثالثاً والاهم وهو ما كان مدار بحث في جميع وسائل الاعلام وكليات الاعلام والتواصل في الجامعات فهم يعتبرون ان عرض مشاهد مؤذية قد تولّد التطرف في النفوس مما يزيد من رغبة البعض في الثأر وفي المعاملة بالمثل اي ما يعني التطرّف وهو موضوع ندوتنا اليوم.
ولكن لا بدّ لي من أن أتحدث عن اعلام من نوع آخر وهو اعلام عنيف في نهاية المطاف، ليس من الناحية العقائدية والدينية، وليس من الناحية العفوية الاجتماعية كما فعل بعض اعلامنا الذي اتّجه نحو السبق، بل هناك الاعلام الخبيث، وهو لمآرب سياسية ساهم عن سابق تصوّر وتصميم في الترويج لماكينة داعش الاجرامية. وهذا أدّى الى التعمية عن مجازر كثيرة ارتكبت، وفي سوريا تحديداً تحت عنوان القضاء على داعش، فقتل الآلاف من المدنيين بحجّة استئصال الجماعات الارهابية وسط صمت مريب للرأي العام العالمي الذي أصبحت قناعته بأن الضرورات تبيح المحظورات.
العنف الكلامي واللفظي
هناك موضوع اساسي لا بدّ من التطرق له وهو عدم وجود رقابة على الضيوف الذين يتواجدون على المنابر الاعلامية وليس لهم وظيفة سوى التحريض والشتم، هذه النماذج التي تكاثرت في السنوات الاخيرة أسهمت في بثّ الكراهية في المجتمعات.
هنا أصبحت اللغة السوقية ولغة الشارع تسيطر على شاشات التلفزة، ونحن أصبحنا ملزمين بمشاهدة الاشخاص نفسهم يتنقّلون من برنامج حواري الى آخر. هذا ما يضرّ بالصحة النفسية، بالاخلاق الاجتماعية وأكثر من كلّ ذلك يساهم في التحريض السياسي والطائفي. من هنا نتمنّى ان تلتزم القنوات بعدم استقبال الشتامين الصارخين الذين يستعملون لغة التخوين والعمالة ويطلقون أشنع الاوصاف بحقّ كل من يخالفهم الرأي.
الاعلام التزام وطني ومسؤولية
مشكلتنا أيها السادة لا تكمن فقط في الترويج للاعلام المتطرف، حيث أنّ المشكلة تكمن في عدم الالتزام وغياب الحسّ بالمسؤولية تجاه قضايا الامن القوميّ.
ومن الأمثلة على ذلك، موضوع شبكات التجسّس التابعة للاستخبارات الاسرائيلية العاملة على الاراضي اللبنانية، حيث أنّه عندما بدأ العمل على تفكيك هذه الشبكات والقاء القبض على العملاء في لبنان سنة 2009 لم تضطرّ قيادة العدوّ الى اجراء الكثير من التحليلات لتعرف مكامن الخلل ومن أين تاتي الخروقات، وجلّ ما فعلته كان قراءة الصحف اللبنانية التي كانت تنشر القرارات الظنية الصادرة عن المحاكم اللبنانية بتفاصيلها المملّة. وهذا كلّه لأنه ليس هناك تدريب حقيقي للصحافيين ليعرفوا ان الاعلام مسؤولية وهو في أحيان كثيرة مرتبط بالامن القوميّ لبلدانهم.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News