المحلية

الجمعة 02 تشرين الثاني 2018 - 01:00 LD

البك والحكيم ومُجدَّرَة جيهان

البك والحكيم ومُجدَّرَة جيهان

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

قليل من بقايا "المُجَدَّرة" على شرشف المائدة.لم تُكمِل جيهان صحنها ظهيرةَ ذلك اليوم.رمته جيهان قبل أن تُلَفَّ بشرشفِ الشهادة.شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوان تحدّقان في قاتلها.ما أصعبَ أن تحدّقَ الطفولَةُ في فوهةِ بندقية.أما ڤيرا فتصلّي لابنِها بعد أربعينَ سنةً.قبرُها بطعمِ القُبلة.يعود البك كلَّ سنةٍ الى سنيِّه الإثني عشرةَ كلّما انحنى لوضعِ زهرة على قبر الأمومة. أما طوني الأب فيخرجُ من الشهادةِ الى الصفح مضرّجاً بغيابه ومختوماً بحضورٍ مزمن.

بعد أربعين سنةً يمدُّ الحكيمُ أيضاً يداً عطبتها المجزرة. يدٌ تغزّلت يوماً بالبندقية قبل أن تُمارس نعمة المصافحة.يدٌ تآخَت مع الزنزانة بالأمس ومع حلمِ الدولةِ التي شنقتنا على حبلِ انتظارها الطويل.

المسيحيون بحاجة ماسّة الى شهدائهم.الشهداء ليسوا بنوداً على طاولة مفاوضات. الشهداء ممرّ إلزامي لطيّ الجرح تماماً كما تُطوى صورة حبيبٍ بالأبيض والأسود في تساعيّة صلاةٍ تحتَ أريكَةِ النعاس.

يُنتَظَرُ من المردة أن يُقدِموا على دفنٍ لائق لوجعٍ مزمن.إعادةُ دفنِ الوجع أكثر إيلاماً من دفن شهيد.يُنتَظَرُ من الحكيم أن يُقدِمَ على اعتذارٍ من هذا الوجع.إطلاقُ الإعتذار فيه شجاعةٌ أكثرُ إقداماً من إطلاقِ الرصاص.بين الدفنِ والإعتذار ستولدُ قبضةٌ جديدة،شجاعةٌ أخلاقية وفعلُ إيمانٍ مشتَرَك من أجل لبنان.

لا أنسى كلَّ من سقطوا.مثاوي كثيرة منتشرة في لبنان سترنّمُ على وقع المصافحة. لا بدَّ أن ترقصَ عِظامُ الشهداء.عندما ترقصُ عِظامُ الشهداءِ يغنّي الوطن.منذُ مدةٍ طويلة يطالبنا الشهداءُ بألا تكون جثامينُهم بقايا ترابية.ترقصُ الجثامينُ للمعنى. أن تكونَ جثماناً بلا معنى هو أن تموتَ تماماً وبالكامل .معنى الشهادة تعطيكَ ألا تموتَ تماماً.تعطيكَ أن تعيش بالتمام والكمال.ينتظرُ الشهداءُ ألا يمرّوا مرور الكرام.ينتظرونَ المرورَ كِراماً.

ما ننتظره من القوات والمردة هو أن نشعر بمصافحتهم تقول أن الشهداء لم يموتوا تماماً.

أخالُني أرى جيهان وڤيرا وطوني ومعهم مئاتٌ من ضحايا البنادق من هنا ومن هناك.أخالُني أراهم جميعاً يُحَضِّرون لمائدةٍ جديدة.مائدة لا تُسقِطُ عليها جيهان قليلاً من المجدّرة على شرشف المائدة قبل أن تخلُدَ للنوم.

شرشفٌ يُغسَلُ مرةً واحدةً وأخيرة.

أما المسائلُ العالِقةُ من الطراز فوق العادة فلها أن تنضجَ بتؤدة وعلى أزيز الأقلام لا على أزيزِ الرّصاص.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة