"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
دخلت الحُكومة شهرها قبل أيام مع مفارقة بسيطة تكمن في عدمِ إمكانية الجزم بما تحمل به خلافاً للقاعدة المعمول بها عادة. حتى الآن، كل ما يقال عن جنين الحمل غير قابل للتصديق، ولا سبيل لمعرفة إذا ما كان الجنين الذي ننتظره ذو خلقة كاملة أو أنه قد تعرض للتشويه.
الحكم الأخير يأتي بعد عمليّة الوضع التي رشّح الرئيس سعد الحريري موعداً لها اليوم -عطفاً على ما أعلنه الأسبوع المنصرم- أي قبل إكتمال دورة التاسع منطلقاً من "دورة سياسية كاملة" بدأها في بيروت ومرّ فيها بباريس قبل أن يعود ويختمها في بيروت.
المواكبون لحفلة النّقاشات التي دارت دورتها يجزمون بعقمها حيال إنتاج الحلول، لذا يعتقدون بإستحالة وضع المولود الآن نسبة لما يعتريه من تشوهات خلقية ناتجة عن لعبة التدخل في جيناته، وهم أوكلوا أمرهم إلى الرّئيس المُكلّف، الذي لا يبدو، نسبةً إلى الكلام المنسوب للمقربين منه أو إلى كلامهم، أنه حاز على ما كان يصبو إليه، إن في باريس أو في بيروت، وجلّ ما أمكن تجميعه من جولات ما خلف البحار، هي مجموعة نقاط لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى المخارج ابداً، بل هي عبارة عن سلسلة أمور بسيطة لم تلامس جوهر الأزمة بمعناها التصريفي البحت.
لا بل أن البعض منهم يراكمُ السّلبيات على السّلبيات، عند حدود إعتقاده أن القرار بعملية الإستيلاد لم يصدر بعد، ولو أنه صدر لكنَّ رأينا قابلة قانونية أو أكثر حاضرة أو هي تشرف على ذلك.
العونيون بدورهم يستبعدون ولادة حكومية، لا الآن ولا في الأيام القليلة القادمة، ولو بعملية قيصرية، يشارطهم في ذلك حزب الله، الذي تبدي أوساطه استغراباً لـ"اللغو الحكومي الحاصل"، واللّقاء التشاوري الذي يعاني من الوحدة أصلاً ولا أحد يتواصل معه، وجد أن "لا ماء في القربة ولا سبيل لنقطة، فلماذا دعوة الظمآنين إليها؟".
في الصالونات السّياسية أحاديث شتّى تحاول إستخراج أجوبة على أسئلةٍ لها علاقة بتوجه الحريري الدائم نحو إعطاء المواعيد المقترنة بإعلان الولادة الميمونة. أثناء ذلك، تبلور جو لدى الإجابة على أحدِ الأسئلة أعطى صورة صغيرة عن سبب إستعجال الحريري تقديم موعد.
فعندما تسربت معلومات حول قبول فريق رئيس الجمهورية التراجع عن موضع الوزير السّني العتيد وبالتالي التّخلي عن فكرة تمثيله في تكتل لبنان القوي، أوحت الأجواء للمكلّف أن ثمّة أمور إيجابية تحصل للمرة الأولى عليه إستثمارها. عندها انطلق بالتطمينات التي وزّعها، وسرعان ما أعيد طرح مسألة توزيع الحقائب، لتشهد الأجواء الإيجابية ضبابية دفعت بها إلى نطاق الفرملة من جديد.
أكثر من ذلك، هناك صالونات تعتقد أن ما يجري الآن من عملية تأخير هي "صنف يجري تعمّده". وفي تفسيرها أن الحريري، أو غيره، لم ينالوا بعد التطمين الكافي الذي يدفعهم إلى تشكيلِ حكومة.
ثم تعودُ إلى كلام المبعوث الأميركي ديفيد هيل، الذي وقف على باب بيت الوسط يضعُ شروطاً للتشكيل على مسمع الحريري. من المؤكد أن الرئيس المُكلّف لم ينساهَ، وما دام الحريري يعلمُ أن حزب الله وحلفاؤه ما زالوا مندفعين عكس الرغبة الأميركية، معنى ذلك أنه لن يقدم على إعلان تشكيلة لا تتراعى والمحاذير الموضوعة.
وعلى ما يبدو، الرّئيس المُكلّف عالق في جملة محاذير. محاذير داخلية تتصل بدهم القضايا المالية، حيث الصراخ بدأ يرتفع من جراء عملية تأخير دفع الرواتب وسط غياب الآلية. محاذير تتصل بالتوازنات المحددة أميركياً والتي يرى الحريري نفسه ملزماً بها. محاذير في تقديم وجهة نظر التيّار الوطني الحرّ على ما عداها.. ونسبةً إلى ذلك، تصبح فرضية ولادة الحُكومة وفق هذا الجو معدومة، وما دامت كذلك، وفي عودة على بدء.. لماذا يصر الحريري على تقديم مواعيد ثم يقع في شباكها؟
واقعياً الآن، فإن ما يراهُ الحريري مكمن إفادة له، تنجيه من العواقب الدّولية ثم الدّاخلية المتصلة بقاعدة الانفاق، هو في العودة إلى مسألةِ تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وهي معلومات رشّحت بقوة خلال يوم أمس.
أكثر من جهةٍ وضعت الفكرة على نارٍ حامية وبدأت تسويقها مقرونة بـ"فترة مرحلية محددة الظرف" حتى يتم إيجاد الترياق المناسب.
في المقابلِ فريق رئيس الجمهورية يرفضُ لا بل يستبعد العودة إلى الحُكومة المستقيلة لما تحمله من أخطار حول "استتباب أمور الرّئاسة" التي ترفض العودة إلى قواعد التمديد السّابقة لما لها من أضرار عليه. حزب الله بدوره رافض دون الإفصاح عن ذلك علنية لـ"دواعٍ تتصل برفض الإملاءات الأميركية". الرّئيس نبيه بري "فرمل" اندفاعته للأسباب آنفة الذكر. تيار المستقبل وإن كان ميّالاً صوبها لكنه شديد الحذر. القوات مندفعة والإشتراكي لا يرى فيها مشكلة.
على ذلك فإن عودة الأصوات المطالبة بضخ الحياة في عروق حكومة تصريف الأعمال تحت ستار الضرورة الداهمة قد تجد نفسها أقرب إلى أجواء الرّئيس المُكلّف وأمام أسباب جوهرية أكثر من ذي قبل يمكن إستثمارها في المشروع.
اللّافت في الأمر، أن الحريري الذي سيدخلُ موعده "خالي الوفاض حكومياً"، تعزز بعض أوساطه إحتمالات إعلانه التمرّد "إعتكافاً" على نحوٍ يعيد فيه إحتمال عودته إلى السّراي الحكومي لممارسة مهمته كرئيس حكومة مستقيلة في تصريف الأعمال، وعلى نحو ذلك يمكن له أن يستجمع الأسباب المتراكمة واستغلالها وهو المنهك من محاولته الأخيرة المتعثرة، لتكون سبباً في تحولها إلى دافعِ صوب إستنهاض حكومة تصريف الأعمال في ضوء المتغيرات.
معنى كل ذلك، أن الحريري سيختار من بين الشرور أقلها ضرراً، أي إعكتافه حكومياً في السراي ثم طرح فكرة العودة تصريف الأعمال "وفق حدود الضرورات" وبشكّل موسّع، حتى يأتي الله أمراً حكومياً كان مفعولاً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News