دبابيس

placeholder

LD
السبت 08 حزيران 2019 - 14:21 LD
placeholder

LD

طرابلس.. بيئة حاضنة لغياب الدولة العادلة

طرابلس.. بيئة حاضنة لغياب الدولة العادلة

المحامي هاني الأحمدية

عندما يتم توجيه اتهام لمناطق معينة في طرابلس والشمال على انها بيئات حاضنة للإرهاب، فهذا يعني اتهاما صريحا ومباشرة للسلطة بأنها سلطة عاجزة قاصرة عن معالجة الأزمات وتأمين الحماية لمواطنيها، وهذا الاتهام يوحي بالفعل بان هذه المناطق هي بالروح خارجة عن سلطة الدولة ليس لعلة في المنطقة بحد ذاتها إنما بسبب المرض في السلطة الحاكمة بشكل خاص والدولة ومؤسساتها بشكل عام، الامر الذي يطرح بشكل جدي أهلية هذه السلطة في التعاطي مع هذه المشكلة ومقدار كفاءتها في ايجاد الحلول الناجعة.

لا أحد ينكر ان شمال لبنان وتحديدا مدينة طرابلس هي مدينة إسلامية عريقة تحتوي بين جدرانها العديد من المذاهب الدينية الأخرى في مثال حي على التسامح والانفتاح والإيمان الفعلي بالحياة المشتركة بين البشر، ولكن من يراجع سياق الأحداث في هذه المدينة منذ بدايات الحرب الأهلية في سبيعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لا يحتاج للكثير من الجهد كي يكتشف ان ثمة مجموعات متطرفة دينيا تقتات من التحريض على الانقسام المذهبي والعنف الجماعي والإجرام المنظم والعادي وغيرها من الأمور التي اصطلح على تسميتها بالإرهاب. وأيضا لا يخفى على أي قارئ لتاريخ المدينة حصول العديد من المعارك الدموية لمواجهة هذه المجموعات شاركت فيها جيوش عديدة محلية واقليمية دون ان تتمكن من احداث أي فارق يذكر بل جل ما يحصل كان تفريخ لمجموعات أخرى مجهولة الارتباطات والقيادات.

بمراجعة موضوعية للإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة لإنقاذ المدينة بشكل خاص والشمال بشكل عام من براثن الإرهاب، نجد ان الإهمال والتقصير والوعود الكاذبة بالإنماء هي السمة العامة لهذا التعاطي، ما يوجب على الجميع الاعتراف بأن السلطة الحاكمة وبمختلف توجهاتها هي سلطة متآمرة على هذه المناطق التي ترزح فعلا بين سندان الأمن ومطرقة الجريمة والإرهاب، فالمدينة مهملة بالكامل لا تطفو أخبارها الى السطح الا عند حصول حدث امني او جريمة ارهابية من العيار الثقيل.

لم نجد حتى اللحظة، أي محاولة جدية لدى السلطة لتحسين الأوضاع في المدينة ووضعها على طريق الشفاء، لا بل على العكس فان هذه السلطة وفي محاولة للتنصل من دورها الراعي سلمت زمام المعالجة للقوى الأمنية والعسكرية التي تنحصر قدرتها في محاربة الإرهاب بالدم والنار فقط، مع العلم بأن المعالجة الاجتماعية والاقتصادية هي الوسيلة الناجعة والفضلى لإعطاء العمل الأمني او العسكري مفاعيله الكاملة، ما أبقى المدينة في حلقة مقفلة تتجدد فيها المآسي مرارا وتكرارا حتى بدا ان تاريخ المدينة يكرر نفسه..

ان أي خطط علاجية لا تتضمن فعلا تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتأمين العيش الكريم لابناء المجتمع يجعل من بعض اجزاء هذا المجتمع وفي بعض الظروف حاضنا لهذه الحركات المنبوذة، لا جسما متماسكا قادرا على التخلص منها باعتبارها من الشوائب النافرة التي لا تنسجم مع التسامح الديني الرافض للعنف والانتقام. وهذا يعني عدم قدرة هذه الخطط العلاجية على الحسم والتوصل الى النتائج المرجوة المتمثلة بالقضاء بشكل كامل على الذئاب المجتمعة او المنفردة وعدم تكرار تواجدها او تمددها.

بالمحصلة وحتى اليوم يمكن ان نعلن وبكل وضوح بأن ما تم انجازه في هذه المناطق هو فقط إنماء الفقر والتجارة به، والمسؤولية المباشرة في ذلك تقع على حزب المستقبل وعلى قياداته في الشمال في تفاقم الأمور وإيصالها الى ما وصلنا اليه -كما تقع على احزاب أخرى تشاركه في السلطة مسؤوليات مشابهة في مناطق نفوذها- فهذا الحزب ترأس السلطة التنفيذية لأكثر من ربع قرن في السنوات الثلاثين الأخيرة وكان احد المساهمين الرئيسيين في تكوين السلطة الحاكمة بنسختها الحديثة القائمة على المحاصصة في النفوذ والمراهقة في التدبير وهو بحسب التوزيع الجغرافي والمذهبي للمناطق المسيطر الفعلي على مناطق الشمال.

ويكفي ان نذكر بأن جزء من سياساته الرعناء يتمثل في ابقاء ابناء الشمال تحت خط الفقر كي يسهل عليه تأمين الولاء العددي بأقل كلفة ممكنة، وهذا سلاح ذو حدين، فالمجموعات المتطرفة تملك من الارتباطات المحلية والإقليمية والدولية ما يجعلها قادرة أيضا على شراء الولاء بسعر بخس والتلاعب على الوتر الانتقامي والمظلومية للتمدد والانخراط اكثر وأكثر في المناطق وتشكيل بيئات حاضنة للتطرف، ولا احد ينكر تأثير المال في هذا الامر.

ان الموضوعية تفترض طرح السؤال عن سبب الفقر المدقع الحاضن الاول للإجرام والإرهاب في ظل وجود مجموعة من التايكون (اصحاب الثروات الضخمة) تسيطر على مقدرات المدينة وجميعهم يدورون في فلك حزب المستقبل؟؟ كما تفترض السؤال عن مقدرات المدينة…

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة