ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
عاد وليد جنبلاط إلى ممارسةِ لعبة "الروليت".. هذه المرة يطلق النار بشكل خاطئ، على نفسه وعلى أعدائه. ميدان إطلاق النار هو الجبل."البيك" ما برحَ ينادي بتحييده عن النزاعات، ثم فجأة يقحمه في عنق زجاجة! أعادَ جنبلاط الكرّة وحوّل قرى الجبل مرّة أخرى مسرحاً لتصفية الحسابات السّياسية، إنما الفتائل التي زرعها سرعان ما انفجرت به، ليتحول مشهد الكر والفر في "الشّحار" مؤذياً على المستوى السّياسي العام، فبدى الزعيم كمن يطلقُ النار على قدميه.
لم يعد بوسع جنبلاط إدعاء متلازمة "أنا مزروك" وتردد مفرداتها على مسمعِ الجميع. "المزروك" هو الذي لا حول له ولا قوّة، لكن من طوّق قرى الجبل بزنّارٍ من نار ومزّقه بأزيز الرصاص وقطَّع أوصاله وجيّشَ الناس، لا يعقل أن يكون بلا قوّة بل صاحب سلطة مطلقة، ويسعى من خلال المُمارسة إلى تأمين تطبيقها كأمر واقع، فينزع مفاتيح الأمن ويضعها في إمرة الباب العالي.
هي ليست المرة الأولى التي يخرج مسؤول إشتراكي مطلقاً مقولة "إنّ للجبل أبواباً يجب الدّخول منها إليه". جملة أكرم شهيب ليست إكتشافاً شهابياً صرفاً، سبقه إليها الوزير وائل أبو فاعور خلال زيارة وزير الصحّة جميل جبق إلى راشيا قبل مدّة، ما يعني أن براءة الإختراع موجودة لدى المختارة. هنا أصل الحكاية، وهنا أسلوب إشتراكي يحفظهُ الجنبلاطيين عن ظهر قلب.
المسار الذي خيضَ بالأمس وما سبقه وما سيليه، كله يقود إلى أمرٍ واحد لا شريك له: التّقدمي يعمل على تثبيتِ إدارة مدنية بالممارسة، تشبه إلى حدٍ ما "الكانتون"، حيث تسود ثقافة "الأمر والأمن والأرض لي"، وغصب عن الجميع!
"المير طلال" أشارَ الى "الكانتون" الجاري تشييده من دون أن يسمّيه، رامياً وظيفة تفكيكه على كاهلِ الدّولة التي يجب أن "تفرض هيبتها ووجودها، وأهلاً وسهلاً بها، و إن لم ترغب بذلك فنحن نعلم كيف نفيّي على ضيعتنا بكعبنا".
تعدّدت الإشارات الصادرة عن مؤتمر المير . بدا "وريث خلدة" كمن يسيرُ في حقلِ ألغام ، ويله جرحه وويله النفث بنار الفتنة. أرادَ إيصال الرسائل القاسية و"لجم البعض"، وفي نفس الوقت الحفاظ على الشارع والحد الأدنى من التهدئة الميدانية التي فرضتها إتصالات وتدخلات الليل، لذا ابتعد عن تسمية من هم وفق مضبطة إتهامات خلدة، متورطون محرّضون!
سرّ غضب "المير" تكشفه وقائع "الأحد الأسود". التوتّر الذي افتتحَ من الكحّالة ليعم سائر الجبل، لم يكن الوزير جبران باسيل من قص شريطه بدايةً بدليل التحضيرات التي سبقت تاريخ حصول الواقعة بأيام، والتي أجمعت المصادر الأمنية أنها أوحت بتهيئ حدث ما، بل كان "نائب عاليه" الإشتراكي شريكاً مضارباً.
مضبطة إتهام "خلدة" التي لم ينطق بها "المير" حرفياً، تشير بوضوح إلى التّحريض الذي مورسَ عبر "نائب" من خلال الجولات الميدانية صبيحة الأحد. تذهب أبعد من ذلك، حين تفصح عن تحضيرات خيضت قبل ٤ أيام. المصادفة أن التقارير الأمنية التي بحوذة أجهزة، تشير إلى نفسِ المضامين تقريباً. حقن نفوس، دعوات إلى تحركات في الشارع، معلومات عن قطع طرقات.
أكثرُ من ذلك، المريب تلك التقارير التي تحدثت عن "سيارات السلاح" التي جالت في الشحار. هذه لوحدها مدعاة للإستفهام، من أين حضّر كل هذا السلاح ومن الذي وزّعه، وإن لم يوزّع هل لنا أن نعرف كيف ظهر وكيف نظّم، في الشوارع وعلى السطوح؟
علامات إستفهام "المير" حول " المُحرض وصاحب الفتنة" حامل صفة نائب، تكشف نفسها بنفسها. هو "نائب الفتنة الذي يجلس على طاولة مجلس الوزراء" ولا يريد المير "توسيخ لسانه باسمه". الاشارة العميقة خلفها وضوح بالغ، والاتهام يدق اسوار الوزير أكرم شهيّب.
لكن لماذا عنوة عن سائر الأشخاص يختارُ "المير" تحميل وزر الأحداث إلى هذا النائب بالذات؟ ما الذين يخفيه المير؟ ثمة رواية يجري تداولها قد تفصح عن بعض الأجوبة التي تراود أذهاننا، وليس من قبيل المصادفة أن تغلق الطريق التي اختار موكب الغريب سلوكها، بالسيارات والاطارات، ويرزع المسلحون على السطوح وفي محيطها.
هناك من يتحدثُ بعبارات هي أقرب إلى سرد أسرار . يدور الحديث عن اتفاق جرى التوصل إليه، وكان النّائب مطّلع عليه، قضى بتأمين "مسار فرعي" لعبور موكب الوزير جبران باسيل إلى كفرمتى، من دون المرور بمدخل البلدة، يقضي زيارته ثم يمضي.
كان باسيل ما زال في بلدةِ شملان برفقته وزير الدفاع الياس بو صعب، حين حضر الوزير صالح الغريب بغرض المسير سوياً الى كفرمتى. في هذا الوقت وزعت مشاهد تظهر إغلاق الطريق بالاطارات وسط تجمهر الأهالي. إقترح بو صعب إنهاء الزيارة من شملان مفضلاً عدم التوجه إلى كفرمتى عبر "المسار الفرعي"، ويسرب أن الوزير الغريب لم يحبذ الفكرة، مفترحاً ان ينتقل بصحبة باسيل مستخدماً موكباً هجيناً لا يعتمده الغريب بالعادة، لكون موكب باسيل أصبح معروفاً، لكن الأخير فضل المغادرة بعد توالي النصائح الأمنية.
عاد الغريب أدراجه مستخدماً المسار الفرعي بإتجاه كفرمتى،أي الذي جرى الإتفاق على أن يكون مساراً آمناً للعبور، وهو عبارة عن طريق ضيّق ومنحدر يمر من قبرشمون ويوصل إلى البساتين، لكن المفاجأة أنه وعند الوصول إلى سفحِ المنحدر، ظهر أن الطريق مغلق بالسيارات والإطارات بإحكام، ولم يكن من مفر إلا إقتحام العوائق، ليتفاجأ العناصر بإنهمار زخات من الرصاص عليهم بمجرد عبورهم، من مسلحين كانوا يكمنون في المنطقة.
الظنُ السّائد، أن ثمّة واشياً سرّب معلومات حول "المسار الآمن"، وغالب الظن أن غضب "المير" تجاه النّائب يكمن في هذه النقطة بالذات التي أسست إلى جريمةٍ وصفها بيان الحزب الديمقراطي بـ"جريمة الغدر"، كذلك فإن من تعمد تسريب "خطة المسار"، كان يظن ان باسيل موجود في الموكب مع الغريب، لذا أرادَ إيصال رسالة كان مقدرٌ أن تكون بالنار ولا تأتي على أحد، لكن ضبط الشارع ليس بهذه السهولة التي يظنها البعض، فتحولت الرسالة إلى إستهدافٍ مباشر نتج عنه مجزرة صريحة.
العناية الإلهية أبقت باسيل بعيداً عن الموكب وأنقذت الغريب. ولو قُدَِّر لباسيل التواجد داخل الموكب وإصابته بأذى لكانت الأمور ربما انزلقت بإتجاهات سوداوية أكثر! ، يقدرُ البعض تشبيهها بحادثة إغتيال كمال جنبلاط، ثم أن إدراك "فعل الوشاية" لاحقاً، هو المُحرِك خلف إدّعاء كل من التيّار الوطني الحُر والحزب الديمقراطي، بتوفر "نية إغتيال".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News