المحلية

الأربعاء 10 تموز 2019 - 01:00 LD

إفشال محاولة "إنقلاب" على الحكومة

تطويق محاولة إسقاط الحكومة

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

هناك خيطٌ رفيع يفصلُ بين المنطق واللّا-منطق المستحكم لدى قلّة غير بسيطة من متلزمي الشأن السّياسي المحلي الذي تتناهشه المصالح المتنازعة بين أركان الحكم. وفي ظلِ ذلك، تُنذر تصرّفات البعض «الملتبسة» عن وجود «خطّة سوداء» تُحاك على دراجةٍ رفيعة من الحذر، قد تقود البلاد إلى المهوار بفعل التجاذب الحاصل على أكثر من صعيد، ونبرة التحدّي التي ترتفع فتطيح إمكانيات حضور العقل.

الفكرة، أنّ ما حدثَ في «قبرشمون» لم يأتِ من عدم، لا تتحمّل مسؤوليته فقط سقوف الخطابات العالية، ولا الإحتماء في جلودِ الطوائف خشية على الموقع والمركز، وليست مسؤولة عنه التّشنُجات المُستمدّة من حِقب البارود والدّم. القصّة كلّها تكمن في غيابِ الكيمياء بين المجتمعات اللّبنانية التي تُمثّل «غابات تحكمها قرود» تتعايش مع بعضها «غصب عن القدر»، ثُم وجود أطراف تجد في التّطفل على تناقضاتِ الغير أماكن تصلح للعيش!

على هذا المنوال تدورُ القصّة كلّها، قصّة المراهنة التاريخيّة في السّياسة: «من يخوزق» من وكيف؟! كيف يستثمر أي «مطب» سياسي في مشروعِ «نجر خازوق» للطرف الآخر.. طبقة تنمو وتعيش على منطقِ «الخوزقة» بعضها ببعض، والصراخ والعويل سِمة الواجب على أهلِ المدينة، من أصحاب الألسنة المبتورة!

أمس، وقبل وصول رئيس الحُكومة سعد الحريري -الحاضر الغائب- من سفرتهِ الخاصّة، كانت تنشط لدى «قلاع سياسيّة» ترتيبات إستيلاد أزمة تفوق تلك الدّائرة الآن مُكراً وشدّة. شعارها، الرّد على إحتمالِ إحالة محاولة إغتيال الوزير صالح الغريب على المجلس العدلي، بعدما ثبُتَ لديها أن أسهم الإحالة ترتفع. تكمن الخطورة في تبلور نيّة علنيّة تجاه إشهار سيف الإستقالة من الحُكومة. تولّي تسويق الفكرة نوّاب الحزب التقدّمي الإشتراكي، الذين كانوا قبل ليلة قد سرّبوا النبأ عبر وسيلة إعلام سعوديّة.

من تحتِ طبقة الضجيج، كان الشغل ماشي. النّائب السّابق وليد جنبلاط حاول إفهامنا أنّه يتحرّك من ضمن إطار «دولي». عقدَ لقاءات مع بعض الدبلوماسيين والسّفراء الغربيين، الأميركي والفرنسي، ومن جهةٍ أخرى سعى إلى استقطابِ حلفائه التقليديين، وكأنّه كان يريد إظهار نفسه في طور مناقشة خيارات سياسيّة في ضوء التبدّل الذي طبَعَ المشهد بعد ٣٠ حزيران. من جهةٍ أخرى حول الإيحاء بأنّه يتحرّك من ضمن جو دولي، سرعان ما لفتَ أصدقاؤه القدامى نظرة إلى مدى خطورة لعب «الروليت» في الوقت المستقطع!

ومع تسجيل أوّل إعلان صريح للنوايا، تحرّك أكثر من موقع سياسي لإستبيان حقيقة الموقف: هل أن التلويح يأتي في إطارِ المناورة ورد الفعل على فعل آخر، أم أنّه قرار ثابت يُراد منه قلب الطاولة علىٍ الجميع؟

وإستلحاقاً لما هو آتٍ، تحرّكت مجالس بإتجاه القيام بجولات تطويق للفعل قبل أن يُصبح واقعاً، تولّاها الرّئيس نبيه برّي الذي زارَ بعبدا، وبنسبة ما، النّائب طلال أرسلان، ثم التيّار الوطني الحرّ وحزب الله. منهم من قدّمَ النصح إلى من يُحارب بسيف غير مضمون النتائج، ومنهم من عملَ على حياكة شبكة أمان تكون بمثابة رد الفعل على أي تحرك، كما فعل برّي الذي أحاطَ أصحاب هذه الأفكار علماً بعواقب أفعالهم، ثم ابلغهم أن نتائج أي تحرّك غير مضمونة، وأنه لن يؤيدها.

ومع وصول الحريري من الخارج، تولّى وزراء «التيّار» عمليّة «الإلتفاف على الطرح»، من خلال توسيع دائرة نشاطهم تجاه السّراي، والتي وضعت في خانةِ «عمليّات الإحتواء الجارية للحكومة»، خاصّة وإن أكثر من طرف سياسي لمَسَ وجود «نوايا مبيّتة» للإنقضاض عليها وجعلها وكأنّها لم تكن.

في المعلوماتِ، أن «التيّار» وفريق رئيس الجمهوريّة مدعومين من حزب الله والرّئيس برّي، بدوا ترتيب الوضع لجلسة حكوميّة يُرجى أن تنعقد نهار الخميس المقبل في قصرِ بعبدا تكون برئاسة عون، الذي يتبيّن من خلال جولة أفق، أنّه انتقلَ من خانة الإستمهال في عقد جلسة ريثما يتبلور أفقاً إيجابياً يُراعي حسن سيرها، إلى خانةِ حث رئيس الحُكومة صوب الدعوة إلى جلسة، مخترقاً الأفق المذكور. وفيما يبدو، يميل الحريري صوب هذا الخانة بعد عمليّة الإحاطة التي وُضع في أجوائها عبر «الزيارات البرتقاليّة» التي عقّبَ عليها الوزير غسان عطالله بالقول: «الأمور تتجه نحو الحلحلة والجميع يريد إعادة تفعيل الحُكومة».

ولعلَّ تحرك «التيّار» نابعٌ من إدراكهِ، أنه أوّل ضحايا لعبة من هذا النوع، في ظلِ إتساع «بيكار» الرّافضين لآدائه، بدءاً من شريكهِ المسيحي وصولاً إلى الخصمِ الدرزي، وقسم شيعي رغم خضوعه لروتشة. وعلى ما تؤكّد المعطيات، نمى إعتقاد لدى أكثر من مستوى سياسي، أنّه وفي حالِ حصول خطوة إستقالة مماثلة، فإن الأضرار لن تقتصر على العهد وحده واستطراداً «التيّار»، بل ستطال شظاياها كلّ من رئيس الحُكومة وحزب الله وبرّي، لذلك، رصدَ تكاتف وتضامن بين الجهات جميعها.

ثم أنّ التيّار الوطني الحرّ أكثر فريق حريص على قطعِ الطريق على مثل هذا التحرّك، بشهادة حركة وزرائه. هو يرى، أن أي فعل من هذا النوع، سيجرُّ العواقب على عهد عون ويؤسّس إلى إفشاله على قاعدة: عهد بلا حُكومة يعني عهد غير منتج والخلاصة عهد فاشل!

وبالتالي، يُصبح بمقدور من يتلاعبون بالبلاد اليوم، الإيحاء بأن تكرار تجربة «العهد» مرّة أخرى أمر غير مرحب به، وعلى المدى البعيد يعني قطع الطريق على «رئاسة» باسيل، الفكرة التي «تُعشعش» في أذهان البعض والتي يُكرّر وزير الخارجيّة نفيها، كان آخرها على منبر حركة أمل الإعلامي.

ثم ولو فرضنا أن الغاية لا تقتصر على تصويرِ العهد بأنه «فاشل» والمُراد فقط إسقاط حكومة وإرساء توازنات مختلفة عمّا ساد كنتيجة طبيعية للإنتخابات، لها أن تُعيد ترشيد الخطاب السّياسي البرتقالي «الطاحش»، فثمة صعوبة في مكانٍ إنتاج حكومة أخرى، وفي ظلِ بقاء الحُكومة الحاليّة مدّة ١٠ شهور في طور التشكيل، يُرشح أن يسود الإنكماش أي خطوة تشكيل أخرى قد تمتد إلى نهاية العهد!

وفي حالِ أقرّينا بأن الإستقالة ممكنة، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تؤدّي إلى إسقاط حُكومة، لكونها لن تؤدي إلى فقدانِ ميثاقيتها بدليل وجود وزراء دروز فيها، وبالتالي لا يمكنُ تشبيه الحالة بتلك التي جرت في حقبةِ حُكومة السنيورة ٢٠٠٧.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة