"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أنهى الجيش اللبناني مشروع توسعة موقع “تلة النبي عويضة” العسكري عند تخوم بلدة العديسة، الذي يبعد نحو 500 متر فقط عن أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية المقامة داخل الأراضي اللبنانيةة. وعلم “ليبانون ديبايت” أن هذه الخطوة تأتي في إطار مشروع أوسع لتطوير وتوسعة مراكز الجيش المنتشرة على طول الحدود الجنوبية.
المشروع، الممول من الحكومة البريطانية، وُصف من قبل مصادر مطلعة بأنه يندرج ضمن خطة “إعادة بناء المواقع العسكرية التابعة للجيش اللبناني التي تضررت خلال الحرب الأخيرة”، وقد بدأت الأعمال فيه خلال شهر تموز الماضي، بمشاركة كوادر هندسية وتقنية من أبناء المنطقة.
مصدر أمني لبناني أكد لـ”ليبانون ديبايت” أن العدو الإسرائيلي اعترض مراراً على أعمال التوسعة الجارية في الموقع المذكور. وبلغ اعتراضه حد توجيه شكوى إلى لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار الـ(ميكانيزم)، بحجة أن الموقع اللبناني لا يبدو مخصصاً فقط لأعمال المراقبة! مع ذلك، واصل الجيش اللبناني تنفيذ المشروع.
برج مراقبة؟
أعمال البناء التي وسّعت نطاق الموقع إلى أكثر من 500 متر مربع أثارت تساؤلات، خصوصاً بعد ملاحظة إنشاء “برج” داخل الموقع، ما ربطه البعض بتفعيل المقترح البريطاني الذي طُرح على الحكومة اللبنانية لدعم إقامة أبراج مراقبة على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وزادت هذه التساؤلات بعد تزامن بدء الأعمال مع انتهاء زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى بيروت مطلع تموز الماضي، والتي قدّم خلالها للرئيس جوزاف عون مقترحاً رسمياً يتضمن دعم المملكة المتحدة تشييد أبراج مراقبة على طول الحدود الجنوبية.
الجيش اللبناني كان قد رفض سابقاً إقامة أبراج مراقبة بريطانية في مواقع مستقلة بعيدة عن مراكزه، مشترطاً أن تُبنى داخل المواقع العسكرية اللبنانية وأن يتولى الجيش حصراً إدارتها والإشراف عليها. بناء البرج في العويضة عزّز الاعتقاد بأن بريطانيا بدأت عملياً تنفيذ مشروعها.
لكن مصادر متابعة أوضحت أن “البرج المشيّد” في تلة النبي عويضة هو محرس أكثر مما هو برج مراقبة، مشيرةً إلى أنه لم يُزوّد بكاميرات حرارية أو أجهزة مراقبة متطورة كتلك المستخدمة في الأبراج التي موّلت بريطانيا تشييدها على الحدود الشرقية مع سوريا.
الولايات المتحدة والكاميرات
مصادر أمنية أخرى أوضحت أن التجهيزات التقنية في أبراج الحدود الشرقية، من كاميرات وأجهزة استشعار وغيرها، كانت بتمويل وإشراف الولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، في مشروع منفصل عن الأبراج البريطانية لكنه متداخل من حيث الأهداف.
إلا أن تشييد برج جديد في الموقع اللبناني أثار خشية بعض الجهات من أن يُستكمل لاحقاً بتزويده بالمعدات التقنية الأميركية، ما يحوّله فعلياً إلى برج مراقبة متكامل، على أن يكون الوضع الحالي مجرد “مرحلة أولى” من مشروع أوسع، ولا شيء يضمن مستقبلاً أن تبقى الامور على حالها.
رفض لبناني وإسرائيلي
في المقابل، قللت مصادر مطلعة من هذه المخاوف، مشيرةً إلى أن إسرائيل نفسها كانت قد عارضت مشروع الأبراج البريطانية منذ بدايته، وضغطت على لندن لتعليقه، بحجة أن تصميم الأبراج يتيح تنفيذ عمليات رصد دقيقة قد تكشف تحركات جيشها للجانب اللبناني أو لجهات أخرى!
وكان المقترح البريطاني الأصلي، الذي طُرح قبل اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023، يقضي بتمويل لندن بناء أبراج مراقبة مزوّدة بكاميرات حرارية متطورة على طول الحدود، من الناقورة حتى مزارع شبعا المحتلة.
رفض لبنان المقترح حينها، لتعود لندن وتقترح إنشاء خمسة أبراج تجريبية في القطاع الغربي. لكن قيادة الجيش اللبناني طالبت بدراسة المشروع بعمق، في موقف صنف على أنه رفض بطريقة دبلوماسية. ومع اندلاع “معركة الإسناد” طُوي المشروع، ليُعاد طرحه لاحقاً كـ”مساعدة للجيش” عقب توقيع وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي وإعلان التزام الحكومة نشر 10 آلاف جندي لبناني جنوبي الليطاني، وقرار مجلس الأمن إنهاء وجود قوات اليونيفيل عام 2027.
دعم بريطاني لتوسعة 20 موقعاً
حالياً، تشير المعطيات إلى أن الحكومة البريطانية تموّل أعمال توسعة نحو 20 موقعاً عسكرياً لبنانياً جنوب الليطاني، من ضمنها إنشاء أبراج أو محارس، وفق التوصيف اللبناني. وقد يرتفع العدد في حال انسحبت إسرائيل من المواقع التي تحتلها على الخطوط الأمامية، ما يتيح للجيش اللبناني استكمال انتشاره هناك.
وتُقدّر كلفة مشاريع التوسعة بمئات آلاف الدولارات، تتولى بريطانيا تغطيتها بالكامل، في ما يبدو أنه دعم لوجستي ممنهج لتعزيز حضور الجيش اللبناني جنوباً في المرحلة المقبلة.