المحلية

السبت 13 تموز 2019 - 01:00 LD

شياطين أميركيّة في بيروت

شياطين أميركيّة في بيروت

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

مثيرٌ للرَيبة تزامن إدراج واشنطن لنائبين من حزب الله هما محمد رعد وأمين شرّي، والمسؤول «الأمني» الكبير الحاج وفيق صفا، على قوائمِ العقوبات الأميركيّة ذات الطابع المالي، مع سلسلة حوادث ترزح تحت وطأتها البلاد: فشل مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل، حادثة البساتين - قبرشمون، وطبائع التشدّد النامية على «كيمياء» وليد جنبلاط.

كأن واشنطن أرادت من وراء إختيار هذا التاريخ بالذات للكشف عن رزمة العقوبات الجديدة، إقتناص فرصة محليّة لبنانيّة تُعطي حافزاً لقرارها، ما يمكِنها من إحداث ضربة عميقة يصلُ صدى صوتها إلى مستوياتٍ بعيدة. حتى أن من يَعدّون أنفسهم «خبراء» في السّياسة الأميركيّة، يشاطرون هذا الرأي في مكان، خاصةً عندما يتحدّثون عن إمتلاك معلومات منذ فترة، تُشير في صلبها إلى وجود نيّة أميركيّة صريحة لضم نواباً من الحزب إلى القوائم، وهذا ورد بالفعل من ضمن التوصيات التي وقّعَ عليها الرّئيس الأميركي دونالد ترامب عام ٢٠١٨!

وعلى هذا المنوال، يبدو أن واشنطن ترمي من وراء قرارها إلى رمي «بحصة» في بئر ممتلئ بالمياه، أو إلقاء قنبلة صوتيّة وسط شارع مزدحم، ربُما تريد عبر ذلك نقل الإنتباه من ضفّةٍ إلى أخرى. على هذه القاعدة حضرت فكرة تقول بأن إختيار هذا الموعد الذي تَبع لقاء السّفيرة الأميركيّة في بيروت بالنائب السّابق وليد جنبلاط، ربُما اُريد منه نقل درجات الإهتمام من موضوع إحالة حادثة «كمين البساتين» على المجلس العدلي، إلى موضوع يُوجب إهتماماً أكثر، قضيّة العقوبات!

ثمّ أن لزمان إدراج العقوبات وظيفة أخرى، قد تكون التلويح بالعصا لحلفاء حزب الله المقرّبين، وهي عادة درجت على فعلها إدارة واشنطن زمن ترامب، حيث تقوم في كل مرّة، إمّا بتسريب معلومات صحافيّة عن قرب إصدار قرارات من هذا النوع، تدفع إلى تحرّكات سياسيّة من أعلى المستويات و بإتجاه واشنطن، ثم ما تَلبث أن تعود عنها وتنفيها بشكلٍ ملتبس كما بدأت، أو تقومُ بنشر علامات تدل إلى نيّة كامنة من هذا النوع.

وقد يكون في تحديد نائبين أساسيين وضمّها إلى القائمة، رسالة تنطلي على «شيفرات» موجّهة نحو الجميع وعليهم تفكيكها، من أن «لا أحد فوق رأسه خيمة» لا نائب ولا وزير، والكل تحت سيف العقوبات ما دامَ يسعى إلى تحالفات وإنشاء علاقات مع حزب الله، وبالفعل، تُصبح وفق نظرة واشنطن، المؤسّسات اللّبنانية خاضعة لـ«عصا» العقوبات ما دامت لا تريد التعاون، وفق المضبطة المُحدّدة من قبل «العم سام»: وقف التعاون مع المسؤولين الذين شملتهم العقوبات، واستطراداً الحزب نفسه!

تعلمُ واشنطن أن أمراً من هذا القبيل، أي فك إرتباط حزب الله بمؤسّسات الدّولة اللّبنانية أو العكس، مُستحيل الحدوث لجملة عوامل، منها ما هو شعبي بفعل التمثيل الذي يحوز عليه الحزب، ثمّ مروحة العلاقات المتشابكة التي لا يمكن أن تعزل الحزب على الدولة، من هنا تكوّن إقتناع لدى فرقة وازنة، أن ما يرمي الأميركيون من وراءه، هو عبارة عن ضغوطات تُمارس على الجسم السّياسي اللُّبناني ، إما لأسباب تتراوح بين التطويع والترهيب، أو من أجل فرض معادلات ما.

كذلك، فإن إختيار النائبان محمد رعد المصنّف واحداً من بين الأوائل في الإنتخابات النّيابية (حصل على ما يقارب ٤٤ ألف صوت)، وأمين شري الذي صُنّف من ضمن الأوائل في بيروت بل جارت أصواته تلك التي نالها الرّئيس سعد الحريري (نال ما يقارب ٢٢ ألف صوت)، من خلفهما رسائل في عدّة اتجاهات، منها ما يُمكن تعميمه على مجلس النوّاب، والإيحاء أن لا حصانة أميركيّة فوق أي نائب مهما بلغ شأنه الشعبي، وإستطراداً النّواب أجمعين، وأخرى تجاه شعبيّة حزب الله، وكأن واشنطن تصوّر أنها لا تقيم وزناً للتمثيل الشعبي أبداً.

ثمّ أن من الخبايا التي تختزن القرار، فيه ما يشبه عملية ضرب سياسي لتمثيل حزب الله، ومحاولة لتعميم ضغوطاً على نفوذه الكبير الذي استمدّه من نتائج الإنتخابات الأخيرة، ما مكّنه من حجز موقع مهم في السّلطة وموقع القرار، وهو موقف طالما نادت به واشنطن وحذّرت منه وأشارت إليه على نحوٍ فاقع خلال تأدية السّاسة مهام تشكيل الحُكومة، وربّما اليوم وجدت أن فرصة الإنقضاض أصبحت مؤاتية، فانبرت إلى تنفيذ «كومة» أمور إجرائية بغية الحد منه.

كذلك، لا يُمكن إغفال الرّسائل المُرسلة تجاه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي تولّى عمليّة التفاوض مع إسرائيل بشكلٍ غير مباشر عبر المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد في مسألة ترسيم الحدود من الجهة الجنوبيّة، وتوكّله عن حزب الله في المفاوضات أيضاً، ولا يمكن أن يقل القرار الأميركي شأناً عن الرد الذي تولّى إدارته وإطلاقه الرئيس بري صوب «البيت الأبيض»، والذي صُنّف من النوع الثقيل الذي رشق الأميركي بحجر!

كما أنه يعتبر أحد أنوع ردود الفعل على فشل المفاوضات التي يبدو أن واشنطن تحمّلها إلى برّي شخصيّاً، ثمّ من خلف ما يمثّل إلى المؤسّسة السّياسية اللّبنانية، وهنا تتكوّن خشية متعاظمة من أن بوادر الحرب الحالية التي قد تُفتعل بين الجانبين، قد تَخرج عنها إنعكاسات سلبيّة جداً، على التسوية السّياسية في البلاد، وقد تأخذ ردّات الفعل فريقاً إلى إجراء تبديل موضعي على رأيه في التسوية وموقعه فيها.

الجانب السّياسي العميق يقلّل من إمكانيّة دخول عامل التعطيل على مجلسي النّواب و الوزراء، في ضوء الأميركيّة المعلنة، أي طلب إعلان القطيعة مع الحزب إنقاذاً للنفوس، نسبة إلى تركيبة لبنان وحضور حزب الله وثقله السّياسي إلى جانب حضور وثقل خلفائه معه، لكنّها تعتقد أن الرسائل الأميركيّة تنطلي على محاولاتٍ لإدخال عوامل «الا-إستقرار» إلى المسرح السّياسي الغير مستقر أصلاً.

وتعتقد، أن التحذير من مغبّة عدم التعاون مع المطالب الأميركيّة وإستمرار التعاون مع حزب الله، قد يكون باباً أو سيفاً يرمي إلى تبرير إنتقال العقوبات إلى مستويات أكبر، وشملها بكل من يتعاون مع الحزب، وفي هذه الكلام عودة إلى معلومات سابقة تحدّثت عن بوادر أميركيّة لشمل حلفاء الحزب فى العقوبات.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة