"ليبانون ديبايت" - رياض طوق
أخيراً فعلها أحدهم. أخيراً خرج أحد أركان السلطة، لا بل المرشد الأعلى للسلطة وحاميها والناطق باسمها ليصارح اللبنانيين. فهو وعكس الخطاب التقني الفارغ لرئيس الحكومة سعد الحريري، وعكس الكلمة الانشائية لرئيس الجمهورية، تحدث السيد حسن نصرالله بكل صراحة ووضوح وثقة بعد أن كان قد مهّد الأجواء يوم السبت الماضي.
قدّم نصرالله نفسه كحدٍّ فاصل في هذه الدولة بين منظومتها السياسية وبين المعترضين عليها. فرئيس مجلس الوزراء المعني الأساسي بتلبية المطالب الشعبية تلعثم وأظهر طيبته المعهودة في مخاطبة المتظاهرين، وقدّم لهم ورقة اصلاحية ما لبثوا أن رموها في وجهه، وهذا ما فعله شريكه في السلطة التنفيذية الرئيس ميشال عون الذي وعد بإعادة النظر بالواقع الحكومي.
أما السيّد نصرالله فتحدث بالنيابة عن الاثنين، وقدّم سلّة رفض متكاملة لكل ما ينادي به الشارع. فقطع الطريق على أيّ نقاشات تدور في أروقة السلطة حول التنازلات التي قد تقدم عليها تحت ضغط التظاهرات.
الرجل تحدث في السياسة والأمن واضعاً الجميع أمام الأمر الواقع، فشدّد على أن العهد باقٍ ويستحيل اسقاطه، والحكومة باقية وبالتالي لا انتخابات نيابية مبكرة. فضرب بهدوء بعرض الحائط كل مطالب الانتفاضة الشعبية.
اذاً، تبلورت الصورة. هناك طرفان في هذه البلاد، حزب الله والثورة. حزب الله الذي يجمع كل السلطات والمؤسسات الدستورية تحت عباءة السيّد، وهو المتحكم ببقائها أو رحيلها بحسب ما أعلنه هو بلسانه. لا بل قد لا تكون هناك اجتماعات وزارية ونيابية بعد اليوم وطوال فترة هذه الأزمة، فليجلس الوزراء ورئيسهم اذاً في بيوتهم الى حين انتهاء السيد من ترميم وضع السلطة.
في الضفة المقابلة هناك الثورة، هذه الثورة التي وضع أمين عام الحزب نفسه في مواجهتها وجهاً لوجه مقيّماً أداءها ومصنفاً المشاركين فيها وواضعاً مصادر تمويلها واعلامها في قفص الاتهام. وهذا ما درج عليه الحزب في تصنيف اللبنانيين وتوزيع شهادات حسن السلوك عليهم وفقاً لأجندته ومصالحه السياسية. وكل هذا ليس بجديد، فوصفات الاتهام بالعمالة والتخوين والارتشاء لكل من لا يدور في فلك الحزب هي دائمة الجهوزية.
اذاً، حزب الله وثورة الجياع هما الطرفان الوحيدان في الساحة اللبنانية. وثمة طرف ثالث هو الجيش الذي يضاهي بحضوره الثورة والحزب في آنٍ معاً. فالثوار يثقون به ويناشدونه حمايتهم وحماية حراكهم ويرفضون فكرة التصادم معه. في حين أن السلطة تضغط عليه لإنهاء هذا الحراك وتحجيمه في بضع ساحات. فالسيّد غمز من قناة الجيش ودعاه الى تحمّل مسؤولياته. وهذه المسؤوليات بالنسبة الى الحزب هي فضّ ساحات الاعتصام واعادة المتظاهرين الى بيوتهم.
وبموازاة ذلك بدأت خلايا حزب الله الامنية وسراياه تجوب شوارع بيروت وتتمركز في مداخلها ومخارجها عبر سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية حاولت ترهيب المتظاهرين على مدى يومين متتاليين في رسالة مزدوجة الى الثورة من جهة والجيش والقوى الأمنية من جهة أخرى.
وإذا أردنا توصيف حالة الشغب والازعاج المتعمّد من قبل هؤلاء الذين قرّر السيد اخراجهم من الشارع بكلمة واحدة، سنجد أنها حالة تشبه المقبلات الباردة التي تسبق الأطباق الساخنة الرئيسة وتمهّد لها، وربما قد نكون أمام جولات من العنف في الأيام المقبلة.
السيّد هو الآمر والناهي لكل هذه الطبقة السياسية، وبعد خطاب الأمس سيزداد غياب قوى السلطة التي سيضمحلّ دورها حتى الاختفاء. لا بل ان سعد الحريري لم يعد سيّد نفسه وكما لم تعد ورقة الاستقالة في جيبه. فهو والرئيس والسلطتان التشريعية والتنفيذية قد أصبحوا جميعاً خلف الأمين العام للجمهورية اللبنانية، وسيدخل لبنان بين فكّي كماشة منظومة الحزب الأمنية وما تمتلكه من أدوات كفيلة بترهيب أي حراك مطلبي في الشارع، وبين ثورة في جعبتها ما يكفي من الجوع والعوز والغضب لكي تكمل مسارها حتى الانتحار أو الانتصار.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News