"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
النائب مخزومي يغرّد عن نهب لبنان. عادت بي التغريدة إلى انقطاعِ التيار الكهربائي الشهير في نيويورك العام ١٩٧٧.
سنتَذاك نُهِبَ حوالي سبعين متجراً وعشرات الحانات تحت جنح الظلام. أمكَنَ تصويرُ بعض المشاهد الحية من همجيّة تلك الواقعة. لولا اليقين من أنها حصلت فِعلاً لاعترانا الشكُّ بأننا أمام أحد المشاهد الهوليودية للمخرِج البريطاني ألفرِد هيتشكوك أو زميله الأميركي ستيڤن سبيلبرغ. ترافقَت العتمة آنذاك مع جرائم مقززةً وشنيعة كان بطلها سفّاحٌ اسمه ديفيد ريتشارد بيركاويتز الملقَّب ب " إبن سام ". وما زاد في الطين بلّة أيضاً نشوب أزمة إقتصادية ومالية حادة غير مسبوقة لم تعرفها المدينة ضربَتها دون أن تكون حاضرة لمواجهة تداعياتها المدمِّرة.
حوالي ٣٠ مليون شخص حُرِموا من النور يومَها لمدة ثلاث عشرة ساعة فقط ومن استعمال الأجهزة الكهربائية فكَسَدَ الطعامُ وتعطّلت الْحَيَاةُ في مفاصل إحدى أكبر المُدنِ وأشهرها في الولايات المتحدة الأميركية.
لم أعد أذكرُ كَمْ هو عددُ السنوات التي عشنا فيها في الظلمة. نحن نتكلّم عن حوالي نصف قرن للذين يطالبون بمزيد من الدقّةِ. نحن شعبٌ تخصَّص أوّلاً في إضاءةِ الشموع على أنواعها في الملاجئ. كانت مونتُنا من الشموع وكبريت " المدفع " توازي تلك التي كنّا ننتظرُ الرغيف من أجلِ التزود بها مذلولين على أبواب الأفران. بعدها دَرَج "الكمبينغ غاز".نسخةٌ مطوَّرَة عن قنديلِ الكاز بعبوةٍ زرقاء مزوّدةٍ بِقلاووز سهلةِ التركيب والإشعال. في تلك الأيام انتقمنا من الشموع بهذه العبوات التي استعملناها للطبخ والتنقيب عن البزّاق بعد أول شتوة. طوّرنا أساليبَنا بعد ذلك فصرنا نتباهى بأننا نملكُ مولّداً كهربائياً منزلياً. درجت تجارةُ المولّدات فصرنا نراها معروضةً أمامَ أبواب المتاجِر وكانت كاتِماتُ الصوتِ منها وتلك المزوَّدةُ بزرٍّ للإشعال الأوتوماتيكي أغلى من غيرها. كانت إحدى علامات البحبوحة في البيوت إقتناءُ مولّدٍ من دون " قشاطْ سَحْب " ومن دون صوت. بعدها عاصرنا وما زلنا إشتراك " الموتور " بالتوازي مع تقنينٍ كهربائيٍ دائم باتَ أشبَهُ بنظام حياة متكامِل نبرمجُ وفق نُورِه وظلمَتِه طريقةَ حياتِنا وأسلوبَ إدارَتِنا ليومياتنا.
لو أردنا انتهاجَ لعبةِ المقارنة مع واقِعة نيويورك لوَجُب أن تكونَ كلُّ مؤسسات ومتاجِر لبنان منهوبة. لوَجُبَ أيضاً أن يُنجِبَ مجتَمُعنا عشرات آلاف ديفيد ريتشارد بيركاويتز وجاك السفّاح. لكننا بقينا مجتمعاً مسالِماً محبّاً للحياة وعاشقاً للرجاء. مع كل الحقيقة المرة التي تشيرُ إلى أننا منهوبون ومسروقون ومنشولون ومخدوعون ومظلومون، بقينا شعباً من المقاومين والصامدين والمتأملين والحالِمين والمؤمِنين.
عذراً للإطالة. عودة إلى مخزومي. أضاف في تغريدته أن قرارات فورية مدعومة من القضاء تتخذها حكومة خبراء تشكِّل مدخلاً للحلّْ. ليس المطلوب الإنتقام من الذين سرقونا على مدى سنوات. مصدر إلهامِنا القضاء السوداني. حَكَم على عمر البشير بمصادرة أموالِه وبإيداعِه هيئة الإصلاح الإداري لمدة سنتين بسبب تجاوزه سِن السبعين. لا بأس بالإستئناس بالتجربة السودانية. حكومة خبراء لبنانية تستعين بقضاء متنوِّر يصادر الأموال المنهوبة ويودع أغلب زعماء لبنان في إصلاحية. المبنى يجب أن يكون في منطقة جردية نائية. جزيرة الأرانب خيارٌ جدير بالبحث أيضاً. سنتان أو أكثر يخرج بعدها الشياطين بتوبةٍ قدسية تؤهلهم من جديد للتحديق في عيوننا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News