المحلية

الثلاثاء 03 آذار 2020 - 02:04

إلى معلوف وغاسامي مع حزني

إلى معلوف وغاسامي مع حزني

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

عن فرنسا. مِن ديغول إلى جورج بومبيدو وجيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون. أمّةٌ خارجةٌ عن العولمة المفترِسَة. ترسمُ بالطبشور وجوهَ المارة في مون مارتر حيث يحبُّ الحَمامُ الأطفال ويأكل خبزه كفاف يومه من أياديهم المفتوحة. أمّةٌ ترسم إشارة الصليب في كنيسة نوتردام.

أن تدخل باريس لكأنك تهبط من مركبة تتحكّم بالزمان. كوّةٌ في سخافةِ وتوحّشِ الحداثةِ التافهةِ للعالم الجديد تُفتَحُ لك فجأةً فتدخل إلى عاصمةٍ مرويّةٍ بنبيذِ بوردو وعابقةٍ بصدى كمنجات الفقراء ورنينِ القروش المرميَّةِ في طاساتٍ نحاسيةٍ بالقرب منهم.

منذ أيام صارَ أمين معلوف مواطناً فرنسياً فوق العادة. كلُّ الفرنسيين في فرنسا مواطنين فوق العادة. يمتازُ معلوف عنهم أنه يكتبُ الحضارةَ ويؤرخُ لِقصصِ النَّاسِ المنسيّة.

في فرنسا بإمكانك أن تجعلَ من فقرِك شيئاً يُدهشُ العالم. يمكنك أن تُفتِنَ الفلسفةَ من شقةٍ متواضعةٍ سكنها جان بول سارتر. مِن لفافةِ تبغٍ بين شَفتَي سيمون دو بوڤوار. يمكنك أن تحلمَ بالعالمية وانت تتسكّع مثل جاك بريڤير في أكثر المقاهي تواضعاً في باريس. يمكنك أيضاً أن تكونَ مهاجِراً غير شرعياً من مالي مثل مامودو غاساما وأن تكسبَ جنسيتك الفرنسية لأنك أنقذتَ طفلاً من السقوط من على شرفة في الطابق الرابع.

بشيءٍ من عزّة النَّفس ممزوجة بِخَجَلٍ وطنيّ تابعنا تقليد الروائي والأديب أمين معلوف درجة إستحقاقه.
" لبنانان " يتنافسان على أعمدة الجرائد قبل أن تصبح الجرائد نماذجَ يمكن مشاهدتها من خلفِ زجاجٍ عازلٍ في المتاحف. تماماً كما نشاهدُ بقايا عِظام الديناصورات.

" لبنانان " يتنافسان. واحد يشرّفُ الحضارةَ وآخَرُ تخجلُ منه الحضارة. واحِدٌ لسمرقند وآخر للنفايات. واحِدٌ لصخرة طانيوس وآخَرُ للكسّارات. واحِدٌ لِلِيون الأفريقي وواحدٌ لِراجِح اللبناني.

منذ أيامٍ أيضاً صرّحَ أكثرُ من مسؤولٍ رسمي في الإليزيه والكيدورسيه أنَّ فرنسا لن تدع لبنان ينهار. وطنٌ ممتنٌّ لأُمومةٍ ما زال يتّسعُ حضنها لحماقاتنا. لمراهقتنا التي أرهقت العالم.

أربعةُ مؤتمراتٍ سبقَت سيدر تُقرَّشُ بعشرات مليارات الدولارات كان يمكنُ أن تُنقِذَ دولةً ميزانيتها عشرةَ أضعافِ ميزانيةِ بلدنا الصغير. نحنُ بلدٌ صغيرٌ تستبيحه حيتانٌ كبيرة. حيتانٌ تأكلُ سَمَكَ المؤتمرات وتتركُ لنا حَسَكَها.

إلتَمَسْنا في مقالةٍ عمرها سنتين من الرئيس ماكرون إعادةَ النظر بلوحةِ جلاءِ نهر الكلب. خروجُ آخر جندي فرنسي كان نذيرَ شؤمٍ لكثيرٍ من اللبنانيين. استيقظتْ يومذاك نخوةُ أشاوس مناصري " جَبَلنا ترابو بدَمّنا جَبَلنا ". أُثبِتَت علينا تهمةُ إميل إده. عَمالةٌ فرنسية. المطلوب التطبيلُ والتزمير لإرثِ جمهوريَّةِ الأوساخ من أيام السلطان سليم شقيق بشارة الخوري مروراً بأغلب الأشقياء في جمهورية الوفاة على رَجاءِ النفط.

لبنان لم يعد يشبهنا. صارَ مجرّدَ قطعةِ أرض. مساحةٌ عقاريةٌ من دون حَبْلِ صرّةٍ عاطفي. ما يحدثُ مخيف. تمَّتْ إعادتنا إلى زمنِ الغريزة. المأكلُ والمشرب. خرجنا من عصرِ الثقافة ودخلنا عصرَ التفاهة. لم يحدثْ في أي دولةٍ في العالم أن عادت أدراجَها. وطنٌ يلفُّ مستديرةً ويعودُ من حيث أتى. إلى العراءِ والجوعِ والخوفِ والحقد. لبنان خارجَ تاريخه. خارجَ التاريخ. نفتِّشُ في وطننا عن المعنى. عن الرسالة والمهمة والوجهة.

فرنسا من جديد. الأيقونةُ الباكستانيةُ آسيا بيبي. اتُّهِمَت بالتجديف وحُكِمَت بالرّجم. أنقذها العالمُ الحرّ. سُئِلَت أي بلدٍ أحبُّ إلى حريّتها أجابت فرنسا. ستعتادُ آسيا عما قريب على جواز سفرها الفرنسي. نحن اعتدنا على جوازِ سفرٍ يُعطى لأي كان وبأي سعرٍ كان وعلى عهد أيٍ كان.

أن نعودَ وطناً يحلمُ أمثال آسيا بيبي باللجوءِ إليه هو الوطنُ الذي يشبهُ قامةَ تاريخنا وقيمةَ حضارتنا. قيمةٌ وقامةٌ تحوّلتا إلى قمامة.

مبروك أمين معلوف رتبةَ الفارس. نحن ترجّلنا وتركنا الفَرسَ والفروسية وبتنا نمشي حفاةً على جادّة سمعتنا. عبَّدناها بالنَّهبِ وسيّجناها بشَخيرٍ طويل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة