أينَ صَليب البَطريرك عَريضَه؟

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

هبَّت غيرَة الأحزاب على لبنان. تعبئَة عامَّة لمواجهَة كورونا. لِمواجَهَة ناخِبيهِم بالدَّرَجَة الأولَى. لا بأس فالمهمّ هوَ الأفعال. الخَطَر يكمُن في مَكانٍ آخَر. كَمينٌ لا تُحمَدُ عُقباه. الكلّ يعمَل ضدّ كورونا مِن عَرينِه. خِطط حزبيَّة مِن دون إلتِفاف وَطَني. إفتِقاد لنظرَة جامِعَة يتعاوَنُ فيها الجَميع مِن أجل لبنان. تَكريسٌ لكانتونات ذات طابِع إجتماعي كمرحلَة أولَى. ضِعف الدّولَة المركزيَّة هو الشّرارَة. تَماماً كما ضَعُفَت في بدايَة الحَرب الأهليَّة فافتَرَستَها الميليشيات.

فلنذكر مَنظومَة وطنيَّة واحِدَة خارِجَة عن شرنَقَة الأحزاب تَعمَل للمواجهَة. لَن نجد منظومَة واحدَة. ولا حتّى واعِدَة. هناكَ للأسف كورونا مسيحيَّة وكورونا إسلاميَّة وأخرَى درزيَّة. كورونا للأقليات أيضاً. الكورونا الوطنيَّة مَوجودَة فقط في بيوت المَحجورين ممن لا حولَ ولا قوّة لَهم . هؤلاء تُنَيشِنُ عليهِم الأحزاب المُحيطَة لأدلَجَتِهِم بالحصّة الغِذائيَّة وعلبَة الدّواء.

صورَة مخيفَة عَن لبنان. مع كل ما حملته حملَة التبرّعات الأخيرة على وسيلة إعلاميَّة فإنَّ كلّ أفعال الكَنتَنَة بِوجهها المَقيت باتت منطقيَّة. وسيلَة إعلام كسَرَت المَحظور ووزعّت الخَير على كل اللبنانيين. الغيرَة سَتكون مشوّهَة. بدَل أن تَخطو الأحزابُ في مبادَراتِها بإتجاه الآخَر تَخطو بإتّجاهِ ناسِها وشارِعِها. إيغالٌ في تَعميق الشّعور الطّائِفي والمَذهبي والمناطِقي.

للأمانَة. استُولِدَ لبنان الوَطَن المعجِزَة مِن رَحِمِ الأنبوب ليكون وطناً متفسِّخاً ومتفجّراً. لَم يَخرُج مِن الرَّحِم بِولادَة طبيعيَّة. وَطَنٌ خُدَّجي أُخرِجَ قبلَ أوانِه ويعاني مِن هُزال تاريخي وضِعف مَناعَة. مَصلٌ خارِجي وأدويَة مضادّة لأكسَدَة السلم الأهلي تُعطى له بإستِمرار. ما أتاحَ له الصّمود مئَة عام لَم يكن بنيَتُهُ الهشَّة ِإنما شخصيّات إستثنائيَّة نفَخَت فيهِ بعضَ الأوكسجين الوَطَني.

لَولا البَطريرك الياس الحويّك لَما كان للبنان أي وجود. الكلام للمؤرِّخ عِصام خَليفة. كانَ للمسيحيين والمسلِمين والدّروز إبان مَجاعَة 1915.
وضَعَ الحويّك أموال الكَنيسَة بتصرّف الفقراء. عقاراتها أيضاً. مَع رعيّتِه قاوم الجوع وانتَصَر. أصدَر البطريرك يَومَها أمراً كنسيّاً إلى كلّ الأبرشيات والأديِرَة طالبِاً إلى كلّ الرّهبانيات رَفع لَوائِح أسبوعيَّة عَن وسائل دَعم الفقراء. أمين سرّ البطريركيَّة آنذاك جَمَع 136000 مساعَدَة وُزِّعَت للمسيحيين والمسلمين والدّروز في كلّ لبنان. كانَت بكركي الملاذ والرّجاء والمقاوَمَة.

الكَنيسَة مدعوَّة لِلَعب دور تاريخي وطَليعي مِن جَديد. مَن يَرى كورونا أزمَة عابرَة تَنتَهي مَع الحَجر مَحجور النّظَر. كورونا بِمفاعيلِها ونتائِجِها تشبه مَفاعيل مجاعة 1915. مفصَل تاريخي لا يَجوز أن يُنظَر إليه على أنه أزمَة عابِرَة. لا يُواجَه كورونا برسائِل التّشجيع والتّحفيز وعِظات الإرشاد. أوَّل الغَيثُ الكَنسي يمكَنُ أن يَكون تَقديم كلّ الأديِرَة مَراكِز للحَجر الصحّي مَفتوحَة لكل اللبنانيين في كل المناطِق. شَهِدنا منذ أيام على محاوَلَة لِتَقديم أحد دور الضيافَة كمركز حَجر قبلَ أن تتعثَر المَساعي. خليَّة أزمَة كنسيَّة خاصَّة لمواكَبَة المِحنَة.

إذا حدَثَ الأسوأ سيصبِح عشرات الآلاف ممن يِحتاجون الحَجر بلا مأوى. سيبقونَ عندَها في بيوتِهِم ليصيبوا بالعَدوى عائِلاتِهم. بسرعَة قياسيَّة سيتحوّل عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف. عندَها لَن نَكون أمام جائِحَة فحسب. سنَكون في مقبرَة جَماعيَّة. الدولَة لا تملكُ راهِناً سِوى سلاح واحِد. إبقاءَنا في منازِلِنا زَجراً إذا لَزِمَ الأمر. بِقليلٍ مِن الدّروَة ستؤمّن لَنا الحكومَة بعضَ ملاعِب كرةَ القَدَم لاستِقبال مَرضانا.

الأديرَة ملاذ اللبنانيين. الرّهبان والراهبات والكَهَنة ملائِكَة رَحمَة. دَعوَتُهم الخِدمَة. لاهوتُهُم التضحيَة. الكَنيسَة مدعوَّة للعَودَة إلى زمنِ البطريك الحويَّك وزمن البطريرك عريضَه الذي رهَن صليبَه الذهبي لَدى تاجِرٍ مسلِمٍ من طرابلس مِن أجلِ الفقراء. رَدَّ له التّاجِرُ الآدَمي الصّليب رافِضاً إستِغلالَ جوعِ الناس وأمراضِهِم في تلكَ الفترَة الَعصيبَة. أُعطيَ البطريركُ مجدَ لبنان صَحيح. إنّما أيضاً أُعطِيَ مجدَ كنيسَة مناضِلَة ومُقاوِمَة ومستَشهِدَة تَماماً مثل مؤمنيها. البطريرك السّابِع والسّبعون لا يقلّ أهميَّة عن الثاني والسّبعين والثالِث والسّبعين. فليستَلّ مَجد لبنان مِن قلب المَرَض. يسوع أعطاه منذُ ألفَي سَنَة الوصفَةَ قائِلاً : جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني، وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ.