"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني
تحديداً في مثل هذه الأيّام من عام 2014، تسيّد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط منبر الخطابة في بلدة بريح الشوفيّة بحضور رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مُعلناً اختتام الجرح الأخير من مصالحة الجبل التي كان رعاها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في العام 2000.
في ذلك التاريخ كان طيف العماد ميشال عون حاضراً في المناسبة إذ استحضره جنبلاط بزلّة لسان ناسباً الرعاية له بوصفه "رئيس البلاد"، بدل أن ينسبها للرئيس سليمان، لكن وبحنكته المعروفة والمعهودة، استدرك زعيم الجبل زلّته من باب "هيدا قد كتر ما عم نحلم فيه بالليل، ومش ليجي"، إلّا أنه بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي الذي خلّفه نهاية عهد سليمان، لعبت الأقدار السياسية لُعبتها وانتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، محوّلاً بذلك هاجس جنبلاط إلى واقع حقيقي.
من المعروف حجم اتساع الهوّة بين رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بالأجهزة الأمنيّة عموماً والعسكريّة على وجه التحديد، خصوصاً لجهة موقفه الثابت والرافض بوصول العسكر إلى رئاسة الجمهورية، وهو الذي خَبِر عن قرب هذا النوع من العلاقات، منذ عهد الرئيس السابق إميل لحود وفي جزء من ولاية الرئيس سليمان قبل أن يعود ويقف بجانبه في الحلف الوسطي.
الجميع يعلم مدى سوء العلاقة التي سادت بين لحود وجنبلاط والتي كانت بدأت بتأخير الثاني وحلفائه على مجيء لحود للرئاسة بسبب ولائه المُطلق للنظام السوري، وتُرجمت في بداية عهد لحود بتطيير جلسة مجلس الوزراء بسبب مهاجمة جنبلاط لرئاسة الجمهورية وإصرار الأخيرة على عدم تحديد موعد لأي جلسة، إلا بعد بيان جنبلاطي أو تصريح يُشبه الإعتذار. والجميع أيضاً يذكر قول جنبلاط للمحكمة الدولية خلال أخذ إفادته "لدي حزازية خاصة تجاه العسكر اللبناني والعربي لانه لا يتمتع بأي حيثية ديمقراطية ولا يحترمون الإنسان".
هذا في ما خصّ العلاقة بين جنبلاط والعسكر، أمّا في ما يتعلق بعلاقته بعون، فتعود الأمور إلى الثمانينات يوم كان عون قائداً للجيش ورئيساً لحكومة عسكريّة شكّلها في الدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميّل. يومها تخندق الرجلان كل منهما وراء مدفعه، جنبلاط إلى جانب النظام السوري، وعون يُريد تكسير رأس حافظ الأسد على قاعدة "بعد في راس الأسد ما تكسّر"، لكن التحدّي هذا، قبل أن تعود وتنقلب الصورة، ويُصبح صديقاً للنظام السوري بعد عودته من منفاه الباريسي في العام 2005، صديقاً للنظام السوري، ويتحوّل جنبلاط إلى خصماً لهذا النظام.
مقربون من الخط "الجنبلاطي" يحاولون أن يتناسوا حقبة "المدافع" كما يسمونها، يوم كانت راجمات قائد الجيش ميشال عون وقذائفه تفتك ببيروت والجبل، ويوم سقط لـ"الإشتراكي" مجموعة كبيرة من الشهداء أثناء معركة "سوق الغرب" وعرضه مشاهد جثثهم على شاشات التلفزة.
ويؤكد هؤلاء المقربون أنّ اللقاء الأخير بين عون وجنبلاط، لا يُمكن تحميله أكثر مما يحتمل، فبالنسبة إلى جنبلاط لا يمكن السكوت عن أي ارتكاب أو مُحاولة الإستفراد بالدولة ومؤسساتها، حتّى ولو كانت هناك مُعاهدات براعية "أُمميّة" بالتهدئة، ومعروف عن صهر رئيس الجهورية النائب جبران باسيل، تجاوزاته المُستمرة للمحاذير "الجنبلاطيّة". ولا بدّ هنا أن نستعيد اللقاء الذي كان جمع جنبلاط برئيس الجمهورية في "بيت الدين" العام الماضي بحضور باسيل، والوعود التي أطلقها الأخير خلال مأدبة الغداء قبل أن يعود وينقضها.
أمّا بالنسبة إلى التيّار الوطني الحر، فلا يزال يُصنّف جنبلاط على أنه قائد "مليشيا" وأحد أُمراء الحرب في لبنان، وهو ما يركن اليه مسؤولي "التيّار" عندما يشيرون إلى حادثة "البساتين" المعروفة ومنعه القضاء والمؤسسات الأمنية من القيام بدورها كاملاً.
في المُحصّلة، وبعد اللقاء الأخير الذي جمع عون وجنبلاط والذي وصفه الأخير لـ"ليبانون ديبايت" بأنه لقاء "مصارحة"، من يضمن عدم اهتزاز العلاقة بينهما مُجدّداً، وعدم العودة إلى كلام "باسيلي" على وزن "لسنا كلنا فاسدون، الفاسدون هم الذين بنوا قصورهم من مال الدولة والناس؟، وردٌّ "جنبلاطي" من عيار "عدنا إلى المربع الأول مع كلام شعبوي فارغ يعود إلى ثلاثين عاما مضت...".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News