"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
إذا كانت إنتفاضة 17 تشرين قد انطلقت من تراكمات إجتماعية - إقتصادية وبَنت موقفها من الاعتراض على الطبقة السياسية، فعلى الأكيد أن الجرعة الثانية المنقحة والمتوقع أن تتوّج في 6 حزيران يغلب عليها الطابع السياسي بعد أن وضعت حزب الله على لائحة أهدافها. هذا التطور لا يمكن عزله عن قراءة مسار الأحداث الراهنة، قيصر وأخواته، بل إنطلاقاً منه بعدما أصبح حزب الله في صلبه.
من المفارقات التي تسترعي الانتباه، أن تاريخ 6/6 الذي اختيرَ موعداً لتظاهرة ضد سلاح المقاومة وتدعو لنزعهِ امتثالاً للقرار الدولي رقم 1559، يتزامنُ مع الذكرى الـ28 للإجتياح الإسرائيلي ووصوله إلى بيروت عام 1982. في الغالبِ، ذكرى من هذا النوع يجب أن تكون محطة لاستخلاص العِبر لا الدعوة إلى قضم مصادر قوة لبنان.
لم تَعد المسألة تتلخص في تظاهرةٍ أو إعتراضٍ على نهج سياسي إذاً، في واقعنا الراهن حيث تحتشد كافة صنوف الضغوطات على لبنان يأخذ أي تحرك في الشارع بُعداً آخر، ومن غير الواقعي أن يقرأ بخلاف الوقائع الموجودة.
يعوّل الاميركيون على ضرب حزب الله من الخاصرة اللبنانية الرّخوة. الآن هم لجأوا إلى اتباع نماذج مختلفة. قوانين العقوبات والتلويح الدائم بتوسيعها على أن تشمل شرائح لبنانية جديدة وتقنين الدولار والتحكم به وفرض المعايير المصرفية الاميركية على الجسم المصرفي اللبناني كله يأتي كمساهمة في استثمار نتائجه لاحقاً في تقليب الرأي العام على حزب الله، وهذا له منافع في حال تبين لنا وجود ركائز معادية للحزب تستبطن في الأساس التركيبة الشعبية ويمكن استنهاضها متى اُريد ذلك.
ليس سراً أن العقوبات والدولار ساهما على نحوٍ لافت في تسعير الخطاب المعادي لسلاح المقاومة وزيادة مستوى الانقسام حوله، الخطير في المسألة ان التسعير هذه المرة يرتبط بأجندات شعبية في الشارع، وتحركات "مريبة" قد تُسهم في تعزيز نمو الحالات المتفلتة من الانضباط. واقع مماثل قد يجرف البلاد نحو الفوضى. هنا عودة إلى السؤال المركزي: هل عادت واشنطن للرهان على فكرة الاستثمار بالفوضى في لبنان؟
تفشي "التظاهرات" واتساع رقعة الخطاب المتحامل على حزب الله وتحميله أسباب ويلات البلاد يوحي بذلك.
على العموم، يعود بنا الطرح المحسوب على الإنتفاضة اليوم إلى فترة التخوف منها بسبب الخشية من احتمال دخول الأجندات عليها فتساهم في حرف مسارها عن وجهتها الصحيحة. صحيح أن الانتفاضة انطلقت اولاً شاملة وجذبت إليها كافة الشرائح بصرف النظر عن ميولهم السياسية، لكن في الواقع أن "الفرز" دخلَ عليها خلال المحطات اللاحقة، وبنتيجة ذلك سادت خشية من إمكانية اختراقها وتحويرها عن مسارها إلى اتجاهات تخدم قضايا سياسية معينة.
في الواقع، سادت الخشية خلال الفترة المنصرمة من إمكان تحويل "الثورة" الى ما يشبه "هيئة تأديب" تتولى الهجوم على حزب الله بذريعة حيازته للسلاح. يومذاك، غالى البعض في موقفهم الرافض لهذه النظرة واعتبروها أداة تخويف لخلق حواجز بين الثورة وجمهور المقاومة.
في الحقيقة، أن الرأي الذي تكوّن حينها أوصل المعنيين إلى اقتناع مستمد من جملة تقاطعات أظهرت أن واشنطن في صدد توفير ظروف "إنقلاب ناعم" داخل السلطة، ما يتيح التأسيس المتدرج لدولة بديلة مختلفة تؤمن بالممارسة السياسية لا بالاتفاقات والمراسيم التطبيقية. في المقابل، تعامل حزب الله مع الأمر على أنه "اكتشاف خطير"، فتولى عملية البحث عن بصمات الأميركان في الساحات.
كانت المعطيات الأمنية تقريباً تُجمع حول وجود توجهات من هذا النوع قياساً مع هوية المجموعات التي بدأت بالتسرب إلى الحراك. ما يلفت الانتباه ان تلك المعطيات التي كانت ترد تباعاً حول وجود بصمات لجهات مشبوهة تتعمد إختراق الثورة لحرفها عن مسارها والاتصالات التي رُصدت، تَرِدُ من أرقامٍ غير لبنانية أَلمَحت إلى شيءٍ مماثل.
مع ذلك، تصرف الحشد العريض من المعنيين على أساس ان "الثورة" في مستوى بلوغٍ معين يخوّلها إدراك ما يحصل من تشوهات وبالتالي لفظ العيوب خارجها، قبل أن تنقلب الامور فجأة وتصبح المجموعات المشبوهة هي المتسيّدة.
هنا، يُسجل لحزب الله بُعد نظرهِ وقرارهِ المتقدّم حين طلبَ إلى مناصريه الخروج من "الثورة". صحيح أن القرار تسبّبَ بفراغٍ ربما فتح المجال أمام إحتمالات إختراقها لاحقاً بسبب ضعف جهاز مناعتها، لكنه في المقابل أسهمَ في تعرية جزء منها وانكشافه أمام الرأي العام بوصفه طرفاً يتحرك تأسيساً على أجندات.
في النهاية، ولّدَ المسارُ الجديد المُستحدث ريبةً لدى المجموعات التقليدية صاحبة براءة إختراع 17 تشرين، وبالتالي ليس ممكناً تجاهل موقفها "الحاد" المعترض على المسار الجديد الذي تتولى إدارته مجموعات "مجهولة" تسلقت أكتاف الجماهير. من الواضح أنها تخشى "سلبها" الثورة، لذا تتحرك لبلورة "حركة تصحيحية" تُرسّم الحدود مع مجموعات "6/6" عبر تمييز نفسها بإختيار موعدٍ آخر للتظاهر محدّد يوم الجمعة 5/6، مقابل حِراك آخر يدعو إلى "مؤتمر عام" لمجموعات الثورة. ما يعنيه ذلك أننا أمام "فرز ثوري" سيجعل من الثورة ثورتَيْن!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News